الحث على اغتنام الإجازة الصيفية في أعمال البر *** شعبان والتهيئة لرمضان
خطبة الجمعة ليوم 16/07/2010
بعنوان: الحث على اغتنام الإجازة الصيفية في أعمال البر *** شعبان والتهيئة لرمضان
إن الحمد لله نحمده نستعينه نستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله, وأمينه على وحيه, ومبلغ الناس شرعه, فصلوات الله وسلامه عليه, وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:معاشر المؤمنين عباد الله, أوصيكم ونفسي بتقوى الله, فإن من اتقى الله وقاه, وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه, عباد الله إننا نستقبل في هذه الأيام الإجازةَ الصيفية وذلك بعد إمضاء عام دراسي كامل في الجد والمذاكرة, والبذل والتحصيل على تفاوُت في الهمم, وتباين في العزائم، عباد الله والسؤال الذي يطرحُ نفسه في هذه الأيام ما الذي ينبغي على طالب العلم والمسلم الجادِّ أن يفعله في هذه الإجازة المقبلة, وعدد أيامها مائةُ يوم تقريبا, وهو وقت طويل وأيام عديدة ولحظات عزيزة ستمر وتذهب سريعا أيناسب عبادَ الله أيناسِبُ أو يليق بالمسلم أن يتركها تذهب وتضيع دون أن يغتنمها في الخير, ودون أن يتزوّد فيها بزاد التّقوى؟, وهل أيام الإجازة عباد الله ليست معدودة في حياة الإنسان وعمره فيتركها تذهب وتنصرم بدون تحصيل لفائدة أو اغتنام لها في طاعة أو خير؟ أَأَيامُ الإجازة عبادَ الله ليست لطلب العلم وتحصيل للإيمان وتزود بزاد التقوى والصلاح مائة يوم عباد الله, مائة يوم من حياتنا ستمر, وأوقات غالية ستذهب فما نحن صانعون فيها؟ معاشر المؤمنين إن وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة وهو مادة حياته الأبدية, في النعيم المقيم, أو العذاب الأليم وهو يمر مر السّحاب. لم يزل الليل والنهار سريعِيْن في نقص الأعمار وتقريب الآجال، صَحِبَا قبلنا قوم نوح وعاد وثمود وقرونا بين ذلك كثيرا فأصبح الجميع قد قدموا على ربهم ووردوا على أعمالهم وتصرمت أعمارهم وبقي الليل والنهار غضين جديدين في أُمَمٍ بعدهم ﴿وهو الذي جَعَل الليلَ والنهارَ خِلفَةً لمن أراد أن يذَّكَّر أو أراد شُكُورًا﴾ [ينبغي للمسلم عباد الله , أن يتخذ من مرور الليالي والأيام عبرة وعظة, فإن الليل والنهار يُبلِيان كل جديد, ويُقَرِّبان كل بعيد, ويطويان الأعمار, ويشيبان الصغار, ويفنيان الكبار, وهذا كله مشعر بتولي الدنيا وإقبال الآخرة, قال علي رضي الله عنه: " إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة, وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة, ولكل منهما بَنُون, فكونوا من أبناء الآخرة, ولا تكونوا من أبناء الدنيا, فإن اليوم عمل ولا حساب, وغدا حساب ولا عمل". وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: "إنّ الدنيا ليست بدار قراركم, كتب الله عليها الفناء, وكتب الله على أهلها الظَّعَن, (أي الارتحال) فكم من عامر موثق عن قليل يخرب, وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن, فأحسنوا منها الرحلة بأحسن ما بحضرتكم من النقلة وتزودوا فإن خير الزاد التقوى".عباد الله إن العبد في هذه الحياة في هدم لعمره منذ خرج من بطن أمه بل هو كما قال الحسن البصري رحمه الله: "أيام مجموعة" أي الإنسان فكلما ذهب يوم ذهب بعض الإنسان وجزء منه اليوم منه يهدم الشهر, والشهر يهدم السنة, والسنة تهدم العمر, وكل ساعة تمضي من العبد فهي مُدْنيةٌ له من الأجل. قال ابن مسعود رضي الله عنه:"ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه, نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي" وهذا من شدة حرصه على الوقت رضي الله عنه وهذا شأن السلف عموما قال الحسن البصري رحمه الله: "أدركت قوما كانوا على أوقاتهم أشدُّ منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم" ولهذا عباد الله فإن من أمضى يومه في غير حق قضاه, أو فرض أداه, أو مجد أثَّله, أو حمد حصله, أو خير أسّسه, أو علم اقتبسه, فقد ظلم يومه, فقد ظلم يومه" إن الليالي والأيام عباد الله هي رأس مال الإنسان في هذه الحياة، ربحها الجنة وخسرانها النار, السَنَةُ شجرة, والشهور فروعها, والأيام أغصانها, والساعات أوراقها, والأنفاس ثمارها, فمن كانت أنفاسه عباد الله في طاعة الله , فثمرة شجرته طيبة مباركة, ومن كانت أنفاسه في معصية الله فثمرتها مُرٌّ وحنظل. عباد الله لقد تكاثرت النصوص عن النبي في بيان أهمية الوقت والحث على اغتنامه والتحذير من إضاعته وبيان أن العبد مسئول عنه يوم القيامة فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله لرجل وهو يعظه: اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك, وصحتك قبل سقمك, وغناك قبل فقرك, وفراغك قبل شغلك, وحياتك قبل موتك" وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي قال: " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه, وعن شبابه فيما أبلاه, وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه, وعن علمه ماذا عمل به". وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" قال بعض أهل العلم: إن من استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط. ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون, لأن الفراغ يعقُبُه الشغل, والصحة يعقبها السَّقَم, ومما يؤثر عن السلف عباد الله قولهم: من علامة المقْتِ إضاعة الوقت. بل قال ابن القيم رحمه الله: "إضاعة الوقت أشد من الموت لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها". إن الواجب علينا عباد الله أن لا نغتر بالدنيا فإن صحيحها يسقم, وجديدها يبلى, ونعيمها يفنى, وشبابها يهرم ومن كان في هذه الدنيا فهو في سير متواصل إلى الدار الآخرة لأن الآجال منقوصة, والأعمال محفوظة والموت يأتي بغتة, فمن زرع خيرا عباد الله فيوشك أن يحصد ثوابه وأجره, ومن زرع شرا فيوشك أن يحصد ندامة وحسرة, ولكل زارع ما زرع . اللهم وفقنا لما تحب وترضى, وأعنا على البر والتقوى, واستعمِلْ أوقاتنا في طاعتك وما يرضيك, واجعل ما نستقبله من أيامنا إلى طاعتك مغنما وسلما, اللهم ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين
أيها المؤمنون، ها نحن نستقبل شهر شعبان، فماذا نحن فيه فاعلون؟ ولأجل ذلك فإن لنا في هذه الخطبة مع هذا الشهر وقفات ودروسًا وعضات نُذكر فيها ببعض فضائله وأحكامه، وننظر فيها حال رسولنا الله فيه لنقتدي به. فماذا ورد في فضله؟ وما الذي جاء فيه من أحكامه؟ وما كان يفعله النبي إذا دخل شعبان؟أما فضله وما يستحب فيه فعله فقد جاء عند أحمد وغيره وصححه ابن خزيمة وحسنه الألباني عن أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ! قَالَ: ((ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)).أيها المسلمون، ألا ترون هذه الأيام غفلة الناس عن شهر شعبان؟ يغفلون فيه عن الطاعات والقربات، ويغرقون في الشهوات والملذات، ويشتغلون بغير شعبان عن شعبان، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يعمره بالطاعة والصيام، ويقول لأسامة: ((ذاك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان))، فشهر شعبان يغفل الناس عنه: ((ترفع فيه الأعمال، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم))، ولقد قال العلماء رحمهم الله: "في هذا الحديث أيضًا دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل".فتعرضوا لنفحات الله عباد الله، وتلمسوا مرضاته، فإن الأجور المترتبة على الاشتغال بالطاعات وقت غفلة الناس أكبر،. وإن الطاعات وقت غفلة الناس شاقة على النفوس، وأفضل الأعمال أشقها على النفوس ما دامت موافقة لسنة النبي ، يقول: ((الأجر على قدر النصب)).. أيها المؤمنون، ولما كان شهر شعبان كالمقدمة لرمضان ـ ولا بد في المقدمة من التهيئة ـ شرع فيه من الصيام وغيره من القربات ما يهيئ القلوب لرمضان، ليحصل التأهب وترويض النفوس على طاعة الرحمن؛ ولهذا كان النبي يكثر فيه من الصيام، ويغتنم وقت غفلة الناس وهو من هو، هو رسول الله ، هو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولذلك فإن السلف كان يجدّون في شعبان، ويتهيئون فيه لرمضان.فيا عبد الله، بماذا تهيئ نفسك لرمضان في شهر شعبان؟ اسمع رعاك الله:أولاً: هيئ نفسك بما رغبك فيه رسول الله ، ألا وهو كثرة الصيام في هذا الشهر، فقد كان يكثر من الصيام فيه، هيئها بما تيسر لك من الطاعات من الإكثار من قراءة القرآن وصلة الأرحام وسائر أنواع الإحسان، قال سلمة بن كهيل: "كان يقال: شهر شعبان شهر القراء"، وقال أبو بكر البلخي: "شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع، ومن لم يزرع ويغرس في رجب ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان؟!"، أيها المسلم، ها قد مضى رجب فما أنت فاعل في شعبان، إن كنت تريد الحصاد في رمضان، فهذا حال نبيك وحال سلف الأمة في هذا الشهر، فما موقعك من هذه الأعمال والدرجات؟ فالبدار البدار إلى طاعة العزيز الغفار.فينبغي للمسلم أن يبادر باغتنام الأيام الفاضلة ، وخاصة في هذا الزمان الذي نعيشه ــ زمان الفتن والعياذ بالله ــ حيث انقلبت الموازين ، وتبدلت المعايير ،وغير ذلك كثير مما لا يخفى على أحد، إنه زمان الفتن التي حذرنا منها النبى صلي الله عليه وسلم حين قَالَ : " بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا"(
﴿إنَّ الله وملائكته يصلُّون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلُّوا عليه وسلِّموا تسليمًا﴾ اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد, وبارك على محمد وعلى محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد, وارض اللهم عن الخلفاء المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وعنا معهم بمنك و كرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمِّر أعداء الدين واحم حوزة الدين يا رب العالمين اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين . اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وأعنه على البر والتقوى وسدده في أقواله وأعماله وألبسه ثوب الصّحة والعافية . اللهم آت نفوسنا تقواها, زكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها, اللهم إنا نسألك الهدى والسداد , اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى, اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا, وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا, وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا, واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير, والموت راحة لنا من كل شر , اللهم اغفر لنا ذنبنا كله, دقه وجله, أوله وآخره, سره وعلنه, اللهم اغفر لنا ولوالدينا, وللمسلمين والمسلمات, والمؤمنين والمؤمنات, الأحياء منهم والأموات, اللهم اغفر ذنوب المذنبين, وتب على التائبين من المسلمين, اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين, اللهم وارحم موتانا وموتى المسلمين, اللهم ووفقنا لما تحب وترضى, وأعنا على البر والتقوى , ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, عباد الله اذكروا الله يذكركم, واشكروه على نعمكم يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
خطبة الجمعة ليوم 16/07/2010
بعنوان: الحث على اغتنام الإجازة الصيفية في أعمال البر *** شعبان والتهيئة لرمضان
إن الحمد لله نحمده نستعينه نستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله, وأمينه على وحيه, ومبلغ الناس شرعه, فصلوات الله وسلامه عليه, وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:معاشر المؤمنين عباد الله, أوصيكم ونفسي بتقوى الله, فإن من اتقى الله وقاه, وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه, عباد الله إننا نستقبل في هذه الأيام الإجازةَ الصيفية وذلك بعد إمضاء عام دراسي كامل في الجد والمذاكرة, والبذل والتحصيل على تفاوُت في الهمم, وتباين في العزائم، عباد الله والسؤال الذي يطرحُ نفسه في هذه الأيام ما الذي ينبغي على طالب العلم والمسلم الجادِّ أن يفعله في هذه الإجازة المقبلة, وعدد أيامها مائةُ يوم تقريبا, وهو وقت طويل وأيام عديدة ولحظات عزيزة ستمر وتذهب سريعا أيناسب عبادَ الله أيناسِبُ أو يليق بالمسلم أن يتركها تذهب وتضيع دون أن يغتنمها في الخير, ودون أن يتزوّد فيها بزاد التّقوى؟, وهل أيام الإجازة عباد الله ليست معدودة في حياة الإنسان وعمره فيتركها تذهب وتنصرم بدون تحصيل لفائدة أو اغتنام لها في طاعة أو خير؟ أَأَيامُ الإجازة عبادَ الله ليست لطلب العلم وتحصيل للإيمان وتزود بزاد التقوى والصلاح مائة يوم عباد الله, مائة يوم من حياتنا ستمر, وأوقات غالية ستذهب فما نحن صانعون فيها؟ معاشر المؤمنين إن وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة وهو مادة حياته الأبدية, في النعيم المقيم, أو العذاب الأليم وهو يمر مر السّحاب. لم يزل الليل والنهار سريعِيْن في نقص الأعمار وتقريب الآجال، صَحِبَا قبلنا قوم نوح وعاد وثمود وقرونا بين ذلك كثيرا فأصبح الجميع قد قدموا على ربهم ووردوا على أعمالهم وتصرمت أعمارهم وبقي الليل والنهار غضين جديدين في أُمَمٍ بعدهم ﴿وهو الذي جَعَل الليلَ والنهارَ خِلفَةً لمن أراد أن يذَّكَّر أو أراد شُكُورًا﴾ [ينبغي للمسلم عباد الله , أن يتخذ من مرور الليالي والأيام عبرة وعظة, فإن الليل والنهار يُبلِيان كل جديد, ويُقَرِّبان كل بعيد, ويطويان الأعمار, ويشيبان الصغار, ويفنيان الكبار, وهذا كله مشعر بتولي الدنيا وإقبال الآخرة, قال علي رضي الله عنه: " إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة, وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة, ولكل منهما بَنُون, فكونوا من أبناء الآخرة, ولا تكونوا من أبناء الدنيا, فإن اليوم عمل ولا حساب, وغدا حساب ولا عمل". وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: "إنّ الدنيا ليست بدار قراركم, كتب الله عليها الفناء, وكتب الله على أهلها الظَّعَن, (أي الارتحال) فكم من عامر موثق عن قليل يخرب, وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن, فأحسنوا منها الرحلة بأحسن ما بحضرتكم من النقلة وتزودوا فإن خير الزاد التقوى".عباد الله إن العبد في هذه الحياة في هدم لعمره منذ خرج من بطن أمه بل هو كما قال الحسن البصري رحمه الله: "أيام مجموعة" أي الإنسان فكلما ذهب يوم ذهب بعض الإنسان وجزء منه اليوم منه يهدم الشهر, والشهر يهدم السنة, والسنة تهدم العمر, وكل ساعة تمضي من العبد فهي مُدْنيةٌ له من الأجل. قال ابن مسعود رضي الله عنه:"ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه, نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي" وهذا من شدة حرصه على الوقت رضي الله عنه وهذا شأن السلف عموما قال الحسن البصري رحمه الله: "أدركت قوما كانوا على أوقاتهم أشدُّ منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم" ولهذا عباد الله فإن من أمضى يومه في غير حق قضاه, أو فرض أداه, أو مجد أثَّله, أو حمد حصله, أو خير أسّسه, أو علم اقتبسه, فقد ظلم يومه, فقد ظلم يومه" إن الليالي والأيام عباد الله هي رأس مال الإنسان في هذه الحياة، ربحها الجنة وخسرانها النار, السَنَةُ شجرة, والشهور فروعها, والأيام أغصانها, والساعات أوراقها, والأنفاس ثمارها, فمن كانت أنفاسه عباد الله في طاعة الله , فثمرة شجرته طيبة مباركة, ومن كانت أنفاسه في معصية الله فثمرتها مُرٌّ وحنظل. عباد الله لقد تكاثرت النصوص عن النبي في بيان أهمية الوقت والحث على اغتنامه والتحذير من إضاعته وبيان أن العبد مسئول عنه يوم القيامة فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله لرجل وهو يعظه: اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك, وصحتك قبل سقمك, وغناك قبل فقرك, وفراغك قبل شغلك, وحياتك قبل موتك" وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي قال: " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه, وعن شبابه فيما أبلاه, وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه, وعن علمه ماذا عمل به". وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" قال بعض أهل العلم: إن من استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط. ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون, لأن الفراغ يعقُبُه الشغل, والصحة يعقبها السَّقَم, ومما يؤثر عن السلف عباد الله قولهم: من علامة المقْتِ إضاعة الوقت. بل قال ابن القيم رحمه الله: "إضاعة الوقت أشد من الموت لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها". إن الواجب علينا عباد الله أن لا نغتر بالدنيا فإن صحيحها يسقم, وجديدها يبلى, ونعيمها يفنى, وشبابها يهرم ومن كان في هذه الدنيا فهو في سير متواصل إلى الدار الآخرة لأن الآجال منقوصة, والأعمال محفوظة والموت يأتي بغتة, فمن زرع خيرا عباد الله فيوشك أن يحصد ثوابه وأجره, ومن زرع شرا فيوشك أن يحصد ندامة وحسرة, ولكل زارع ما زرع . اللهم وفقنا لما تحب وترضى, وأعنا على البر والتقوى, واستعمِلْ أوقاتنا في طاعتك وما يرضيك, واجعل ما نستقبله من أيامنا إلى طاعتك مغنما وسلما, اللهم ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين
أيها المؤمنون، ها نحن نستقبل شهر شعبان، فماذا نحن فيه فاعلون؟ ولأجل ذلك فإن لنا في هذه الخطبة مع هذا الشهر وقفات ودروسًا وعضات نُذكر فيها ببعض فضائله وأحكامه، وننظر فيها حال رسولنا الله فيه لنقتدي به. فماذا ورد في فضله؟ وما الذي جاء فيه من أحكامه؟ وما كان يفعله النبي إذا دخل شعبان؟أما فضله وما يستحب فيه فعله فقد جاء عند أحمد وغيره وصححه ابن خزيمة وحسنه الألباني عن أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ! قَالَ: ((ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)).أيها المسلمون، ألا ترون هذه الأيام غفلة الناس عن شهر شعبان؟ يغفلون فيه عن الطاعات والقربات، ويغرقون في الشهوات والملذات، ويشتغلون بغير شعبان عن شعبان، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يعمره بالطاعة والصيام، ويقول لأسامة: ((ذاك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان))، فشهر شعبان يغفل الناس عنه: ((ترفع فيه الأعمال، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم))، ولقد قال العلماء رحمهم الله: "في هذا الحديث أيضًا دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل".فتعرضوا لنفحات الله عباد الله، وتلمسوا مرضاته، فإن الأجور المترتبة على الاشتغال بالطاعات وقت غفلة الناس أكبر،. وإن الطاعات وقت غفلة الناس شاقة على النفوس، وأفضل الأعمال أشقها على النفوس ما دامت موافقة لسنة النبي ، يقول: ((الأجر على قدر النصب)).. أيها المؤمنون، ولما كان شهر شعبان كالمقدمة لرمضان ـ ولا بد في المقدمة من التهيئة ـ شرع فيه من الصيام وغيره من القربات ما يهيئ القلوب لرمضان، ليحصل التأهب وترويض النفوس على طاعة الرحمن؛ ولهذا كان النبي يكثر فيه من الصيام، ويغتنم وقت غفلة الناس وهو من هو، هو رسول الله ، هو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولذلك فإن السلف كان يجدّون في شعبان، ويتهيئون فيه لرمضان.فيا عبد الله، بماذا تهيئ نفسك لرمضان في شهر شعبان؟ اسمع رعاك الله:أولاً: هيئ نفسك بما رغبك فيه رسول الله ، ألا وهو كثرة الصيام في هذا الشهر، فقد كان يكثر من الصيام فيه، هيئها بما تيسر لك من الطاعات من الإكثار من قراءة القرآن وصلة الأرحام وسائر أنواع الإحسان، قال سلمة بن كهيل: "كان يقال: شهر شعبان شهر القراء"، وقال أبو بكر البلخي: "شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع، ومن لم يزرع ويغرس في رجب ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان؟!"، أيها المسلم، ها قد مضى رجب فما أنت فاعل في شعبان، إن كنت تريد الحصاد في رمضان، فهذا حال نبيك وحال سلف الأمة في هذا الشهر، فما موقعك من هذه الأعمال والدرجات؟ فالبدار البدار إلى طاعة العزيز الغفار.فينبغي للمسلم أن يبادر باغتنام الأيام الفاضلة ، وخاصة في هذا الزمان الذي نعيشه ــ زمان الفتن والعياذ بالله ــ حيث انقلبت الموازين ، وتبدلت المعايير ،وغير ذلك كثير مما لا يخفى على أحد، إنه زمان الفتن التي حذرنا منها النبى صلي الله عليه وسلم حين قَالَ : " بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا"(
﴿إنَّ الله وملائكته يصلُّون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلُّوا عليه وسلِّموا تسليمًا﴾ اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد, وبارك على محمد وعلى محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد, وارض اللهم عن الخلفاء المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وعنا معهم بمنك و كرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمِّر أعداء الدين واحم حوزة الدين يا رب العالمين اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين . اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وأعنه على البر والتقوى وسدده في أقواله وأعماله وألبسه ثوب الصّحة والعافية . اللهم آت نفوسنا تقواها, زكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها, اللهم إنا نسألك الهدى والسداد , اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى, اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا, وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا, وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا, واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير, والموت راحة لنا من كل شر , اللهم اغفر لنا ذنبنا كله, دقه وجله, أوله وآخره, سره وعلنه, اللهم اغفر لنا ولوالدينا, وللمسلمين والمسلمات, والمؤمنين والمؤمنات, الأحياء منهم والأموات, اللهم اغفر ذنوب المذنبين, وتب على التائبين من المسلمين, اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين, اللهم وارحم موتانا وموتى المسلمين, اللهم ووفقنا لما تحب وترضى, وأعنا على البر والتقوى , ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, عباد الله اذكروا الله يذكركم, واشكروه على نعمكم يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.