محاضرة شرعية
عن إستقبال شهر رمضان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي من علينا بمواسم الخيرات ،ليعظم لنا بها الأجور ويكفر عنا السيئات، و أشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له إله الأرض والسموات ،و أشهد ان محمد عبده ورسوله سيد البريات ،و أفضل من سارع إلى الخيرات وشغل الأوقات في الطاعات ،صلى الله عليه وسلم وعلى اله و أصحابه و أتباعه بأحسان مادامت الأرض والسموات.
.
أيها الأحبة في الله
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
و أساءل الله عز وجل بأسمائه وصفاته ونحن ننتظر هذا الوافد الحبيب ،أن يجعلنا جميعا من أوليائه المقربين و حزبه الغالبين و عباده المخلصين، و أن يجعلنا جميع ممن يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون
و نسأله عز وجل أن يجعلنا من المرحومين الموفقين ،و أن يجعل الحياة زيادة لنا في كل خير ،و أن يجعل الموت راحة لنا من كل شر ،و أن يغفر لنا ولوالدينا و أزواجنا وذرارينا و سائر أخواننا المسلمين أنه على ذلك قدير.
أيها الأحبة ،ننتظر الليلة أو غدا وافدا حبيبا طالما انتظرته القلوب المؤمنة ،وتسوفت له النفوس الزكية ،و تأهبت له الهمم العالية, وافد رفع الله عز وجل شانه و أعلى مكانه، وخصه بمزيد الفضل والكرامة و جعله موسما عظيما للمسارعة إلى الخيرات، و المنافسة بين الموفقين في مجال الباقيات الصالحات.
وافدا يشرفنا مرة كل عام لكنه يأتي في شهر هو أفضل الشهور على الدوام.
وافدا قد تواترت النصوص و الأخبار في فضله ،ومعلنة عن تعظيم الله عز وجل لشأنه، و منوهة جلالة قدره و عظيم مكانته.
وافدا قد يكلفك اليسير ولكنه يجلب لك الخير الكثير ،و الثواب الجزيل و الأجر الكبير إن أنت عرفت قدره ،و أحسنت استقباله و استثمرته فيما يقربك عند الله عز وجل ويرفع درجاتك عنده.
انه {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى }البقرة185
انه سيد الشهور و أفضلها على الدوام, انه شهر الصيام والقران و القيام, شهر جعله الله عز وجل صيامه فريضة و قيام ليله تطوعا وفضيلة.
وفيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران و تصفد فيه الشياطين ومردة الجان.
وهو أيضا شهر التكافل والتناصح و التراحم، والمساواة و التعاون، وهو شهر الفتوحات و الانتصارات ،و اكثر معارك الأسلام الفاصلة بين أولياء الرحمن و أولياء اشيطان كانت في شهر رمضان.
وهو أيضا تضاعف فيه الحسنات و تكفر فيه السيئات ،و ترفع فيه الدرجات و تنزل فيه الرحمات و البركات من إله الأرض والسموات.
ويكفى هذا الشهر خيرا وفضلا و بركة ان فيه ليلة واحدة هى خير من ألف شهر ،من حرم خيرها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها الا محروم.
فهنيئا لكم أيها المسلمون برمضان، و يابشرى لكم بشهر الصيام و القيام ،و السعد والله كل السعد لمن تعرض فيه لنفحات الله وجاهد نفسه فى طاعة الله.
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }العنكبوت69
ولقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يبشر اصحابه بقدوم هذا الشهر المبارك ،و يبين لهم فضائله حتى يتهيئوا له ويغتنموه.
و فى الحديث الصحيح عن ابى هريرة رضى الله عنه قال.
(كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه فيقول جاءكم شهر رمضان شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان و تغلق أبواب النيران و فيه تصفد مردة الشياطين و فيه ليلة هى خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم ) و الحديث رواه احمد و النسائى والبيهقى وحسنه الألباني.
ويقول العلماء ،هذا الحديث اصل فى مشروعية تهنئة الناس بعضهم بعض بدخول رمضان, كمافعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يبشر اصحابه بدخول هذا الشهر و يبين لهم فضائله.
يقول ابن رجب رحمه الله تعليقا على هذا الحديث** وكيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان، و كيف لا يبشر المذنب بغلق ابواب النيران، و كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشيطان ،ومن اين يشبه هذا الزمان زمان**
و قد ثبت في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام
( اذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت ابواب النار و صفدت الشياطين )
وفى رواية الترمذي و ابن ماجه ( ياباغ الخير أقبل وياباغ الشر اقصر و لله عتقاء من النار و ذلك كل ليلة )نسأل الله تعالى أن يعتقنا ووالدينا من النار، ( ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة ). تأملوا هذا النداء العجيب الذى يصدر من الله عز وجل عبر ملائكته ينادي منادى ..ياباغي الخير اقبل.. هذا اوان العودة الى الله عزوجل ,هذا اوان الإجتهاد فى طاعة الله ،و المنافسة في الخيرات و المسابقة الى الأعمال الصالحات, او التعرض لرحمات و النفحات التى تتنزل في هذه الأيام المباركة... ياباغ الخير اقبل... أرى الله عز وجل من نفسك خيرا.. اذا لم تجتهد في شهر رمضان و تسابق الى الخيرات فمتى تفعل؟؟؟
و أنت ايها العاصى المفرط في جنب الله, هذا اوان التوبة و العودة الى الله عز وجل, تب الى ربك وعد الى رشدك و أقلع عن ما أنت عليه من المعاصي و المخالفات والمنكرات, فهذا أوان التوبة و العودة الى الله، و اذا لم تتب في شهر رمضان فمتى تتوب؟ و ان لم تسترحم ربك و تستعتبه و تنكسر بين يديه و تساله ان يغفر خطاياك و يستر عيوبك و منكراتك و فواحشك التى دعاك اليها الشيطان ونفسك الأمارة بسوء فمتى تفعل يا أخى؟؟
أعظم ما يستقبل به شهر رمضان أيها الأحبة، و أهمه و أنفعه ،العزم الصادق على التوبة من جميع الذنوب و السيئات, ليكن رمضان ايها الأحبة مدرسة حقيقية كما أراد الله عز وجل, تتربى من خلالها على المسارعة الى الخيرات و على البعد عن الفواحش والمنكرات, و هذه هى حقيقة التقوى التى هى الغاية العظمى من الصيام.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة183....لماذا...( لعلكم تتقون)..
والتقوى ايها الأحبة هى حياة فى القلب وشفافية فى الشعور ،تجعل المؤمن المتقى لله عز وجل يحذر من كل معصية تنقص إيمانه ،و هى التى تحمله حملا و تدفعه بقوة الى ان يسارع الى ما يحبه الله و يرضاه من أنواع الطاعات و القربات
و حاله كما قال بعض السلف ** ان أستطعت ان لا يسبقك الى لله احد فافعل** ..
.حتى تكون المنافسة .ما اجمل الطمع ايها الأحبة في الأجر و الذخر فيما عند الله في الأخرة...
{ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ }المطففين26
{وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }آل عمران133
فاستبقوا الخيرات.. أستبقوا .. أحرص يا أخى على الا يسبقك الى الله احد..
و باب القرب من الله والفوز برضوانه و فضله وكرامته مفتوح لكل احد ،فلايوجد جنود او حاجب او سلطان أو غيره يمنعك من الوصول الى الله.،فأرى الله عز وجل من نفسك خيرا،و احرص على ان تكون أقرب الناس الى الله عز وجل
{ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ }المطففين26
و قد تضمن هذا الحديث الذى ذكرته و أمثاله ،و هى احاديث كثيرة بعض خصائص شهر رمضان و فضائله ،ومنها و نحن نذكرها ايها الأحبة ونؤكد عليها حتى ندرك عظم شأن هذا الموسم العظيم الذى نعيشه
ان نتوب الى الله عز وجل من جميع الذنوب و المعاصى
كما قلت لكم أيها الأحبة ،من لم يتب فى رمضان فمتى يتوب؟... التوبة واجبة في كل وقت و من كل ذنب، و لكنها فى مثل هذا الموسم المبارك العظيم أوكد و أوجب، و صاحبها أحظى بالقبول و الإجابة.، و أن تكفر سيئاته و تمحى زلاته و تقال عثراته، بل أن تبدل سيئاته حسنات، أرأيتم أكرم من ربنا وأرحم منه على عباده سبحانه ،اذا تبت الى الله عز وجل و قد يكون لك من الذنوب ما يملاء الأرض على سعتها من الموبقات والفواحش العظيمات، اذا صدقت في توبة الى الله عز وجل، ليست التوبة فقط أن تمحو الذنب و التائب من ذنبه كمن لا ذنب له ،لا ..بل تبدل هذه الجبال من السيئات الى حسنات.
فما أكرمك يا ربنا وما أرحمك ،وما أعظم منك وفضلك على عبادك, الله عز وجل لما ذكر الشرك وقتل النفس بغير حق والزنا، وتوعد أصحابها بالعذاب و النكال الشديد المهين
قال {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }الفرقان70
إذا سبحان الله ياأخوان. ياخى عاهد ربك من هذه اللحظة على التوبة إليه من جميع الذنوب والسيئات ,استقبل هذا الشهر من أول لحظة فيه بالتوبة الصادقة إلى الله ،والندم على ما فرطت في جنب الله وما بدر منك من الذنوب والسيئات, والعزم الصادق على فعل الحسنات والصالحات التي تمحوا أثار تلك الذنوب من القلب، وتزيلها من ديوان الحفظة ،فإن الخير يرفع الشر والنور يزيل الظلمة والمرض يعالج بضده والحسنات يذهبن السيئات.
ولهذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم ( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر)
هذا الحديث الذي أشرت إليه قبل قليل و أمثاله دل على بعض خصائص هذا الشهر و فضائله العظيمة ومنها
من ان تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران,
لماذا تفتح أبواب الجنة؟ لكثرة ما يحصل في رمضان ولله الحمد من الخير و الأعمال الصالحة، و المسابقة والمنافسة بين المؤمنين في فعل الطاعات و القربات ،و أيضا تفتح أبواب الجنة ترغيبا للعاملين الموفقين.
إن هذا أوان الجد والاجتهاد و العمل والجهاد، و الحرص على كسب رضوان الله عز وجل ومحبته والقرب منه.
وتغلق أبواب النيران لقلة ما يحدث في هذا الشهر من المعاصي و الفواحش والمنكرات التي تقع ربما في غيره, وأيضا ترغيبا للعصاة المفرطين في جنب الله إن هذا وقت العودة إلى الله عز وجل، وأن يتوبوا إلى ربهم وان يقلعوا عما هم عليه من المعاصي والمنكرات.
ومن خصائصه العظيمة أنه تصفد فيه الشياطين وتوصد, وتقيد بالسلاسل و الأصفاد ،فلا يخلصون في رمضان إلى ماكانوا يخلصون إليه في غيره ،وان لايتمكن من إغواء عباد الله و إضلالهم كما يتمكنون منهم في غير رمضان.ولهذا سبحان الله ما أن يطل هذا الشهر المبارك بطلته البهية حتى يظلل المجتمع المسلم في كل بقاع الأرض جو من الطهارة والنظافة، والإيمان و الخشية و الإقبال على الخير وصالح الأعمال .
وتكسد سوق المنكرات والقبائح ،ويعترى أهله الخجل من فعلها و اقترافها أو على الأقل إعلانها والمجاهرة بها .
وهذه وربى رحمة من الله بعباده ولطف عظيم بهم ،حيث أعانهم على أنفسهم و حماهم من كيد مردة الجن والشياطين ،على أن هناك نفوس شريرة قد تأصل فيها الفساد و تشربت الباطل ،و استمرأ المنكر و أسلمت إلى الشيطان.، فحرمها من كل خير وقادها إلى كل جريمة ومنكر، وحاقها إلى كل رذيلة وشر، فهي لاتعرف لهذا الشهر حرمة ولا تقدر له مكانته وقدر، ولا تعظم الله ولاترجوا الى الله وقارا ،بل ربما وصل الحال الى بعض هؤلاء المسوفين المنكوسين والعياذ بالله إلى أن يكون أسرع فى الشر و الفساد و الإفساد من الشيطان الرجيم و العياذ بالله كما قال قائلهم:
فكنت امراء من جند ابليس فارتقى بى الحال حتى صار ابليس من جند ى
اعوذ بالله من هذه الحال يفتخر بما هو عليه من شر وفساد و إفساد .
ولقد سمعنا على أناس من هذا البلد المبارك بلد التوحيد و الإيمان و الإسلام، سمعنا على أناس لا يبالون بالفطر في رمضان، ولا يتورعون فيه فعل المنكرات والقبائح ،بل لربما اجتمع هؤلاء الممسوخين المحرومين و العياذ بالله المطموس على قلوبهم، اجتمعوا ليال العشر الأخيرة من رمضان وهى أفضل ليالي الدهر وفيها ليلة هي خير من ألف شهر، يجتمعون و العياذ بالله على اللهوا والغنى، وعلى شرب الخمر و ارتكاب الفواحش والزنا نسأل الله العافية و السلامة ونعوذ به من عمى البصيرة و انطماس القلوب.
وقد صدق القائل :
يقضى على المرء فى أيام محنته
حتى يرى حسنا ماليس بالحسن
ولو تأملتوا أصحاب هذه الحال والعياذ بالله لوجدتهم أنهم لا يكادون يخرجون على أربعة أصناف ،هؤلاء الذين لا يعرفون لشهر رمضان حرمة ولا قدرا هم احد أربعة أصناف:
الأولى :- المحارب لله ورسوله ،الذى جند نفسه للصد عن سبيل الله و الاستهزاء بآياته و الاستهتار بشعائره و حرماته ،والسخرية من الصائمين و الصائمات و المؤمنين و المؤمنات، ووصفهم بالتحجر والرجعية و التخلف و الظلامية هكذا يزعمون و بمثل هذا يتفوهون { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً }الكهف5 والله انهم هم المتحجرون الظلاميون وهم المخدولون المحرومون والعياذ بالله
والصنف الثانى:- المنافق ذو الوجهين الذى ينتمى الى الإسلام و يتظاهر بالصلاح و الإلتزام، ويخادع الناس بمأثور الكلام ،ولكنه إذا خلا بمحارم الله انتهكها غير هياب ولا وجب وبلا خوف ولا حياء من الله عز وجل
{يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ }البقرة9 {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }البقرة10
و الصنف الثالث :- المعرض عن شرع الله عز وجل لايتعلمه ولا يعمل به، فهو مشغول بدنياه وأخرته ينفق عمره كله و أوقاته كلها فى اللهاث وراء حطام هذه الدنيا و جمع متاعها الزائف يرتع كما ترتع البهائم و يأكل كما تأكل الأنعام كأنه مخلوق عبثا او متروك سدى والعياذ بالله
والصنف الرابع: الماجن الفاسق الذى قطع انفاسه بالمجون والفسوق والفجور واللهو والفساد فاصبح والعياذ بالله لايعرف معروفا ولاينكر منكرا إلا ما أخرج من هواه وفى هؤلاء و أمثالهم يقول الله عز وجل
{ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }الحجر3
سوف يعلمون وسيندمون ولا تنفع ساعة الندم
ويقول الله عز وجل
{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ }محمد12.. ثم ماذا ؟ ..( و النار مثوى لهم)
هي حسبهم.. كافيتهم..ماذا يغنى عنهم تلذذهم بهذه الحرمات والعياذ بالله و الشهوات المحرمة إذا كان مصيرهم إلى النار و العياذ بالله
{أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ }الشعراء205... مدة حياتهم في هذه الدنيا مهما طالت وهى وان طالت فهي قصيرة دعه يعمر 100 سنة,أو 200 سنة {ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ }الشعراء206 الموت ثم ما بعده من حزاء وحساب و عذاب {مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ }الشعراء207 والله لايغنى عنهم تمتعهم بهذه اللذائذ و الشهوات المحرمة حين والعياذ بالله يحكم بهم إلى نار جهنم وبئس المصير.
ومن خصائص هذا الشهر العظيم أنه من أعظم أوقات العتق من النار.
و لهذا قال النبي صلى الله علبه وسلم
( ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة)
سبحان الله ما اكرم ربنا وما اعظم فضله على عباده كل ليلة من ليالي هذا الشهر يعتق الله عز وجل عبيد من عباده لا يعلمهم الا هو, ولهذا يا اخوان يجب ان تكون قلوبنا معلقة بالله نرجوا ان نكون ممن يعتقون فى هذا الشهر الكريم و المحروم غاية الحرمان و المخذول غاية الخذلان من خرج عليه رمضان ولم يكتب له العتق من النار
( لله عتقاء من النار وذلك كل ليلة ولا يعتق من النار ؟؟؟ هذا الكسول المتبع لأهواءه وشهواته الذى اخلد الى الأرض و اتبع هواه .انما الجدير بأن يعتق ذلك الرجل المتعلق قلبه بالله الحريص أداء الواجبات و اتباعها بما يسر الله عز وجل له من انواع النوافل والمستحبات ,الذى يراقب الله فى خلوته وجلوته وسره وعلانيته ,هذا الذى يستحق ان يعتق من النار ونسأل الله تعالى أن يعتق رقابنا من النار
ومن اعظم خصائص هذا الشهر و اجلها ان فيه ليلة القدر التى هى خير من الف شهر ليلة القدر ايها الأحبة سميت بهذا الأسم لعظم قدرها ودلالة شانه ومكانتها عند الله عزوجل.
وقيل سميت بليلة القدر لانه يقدر فى هذه اليلة التقدير السنوى ,أى كل مايجرى على العباد من الأرزاق و الأجال و الخير والشر الى مثلها من السنة القادمة, كل ما ستواجهه
فى عامك القادم من هذه اليلة( ليلة القدر) حتى شهر رمضان الى العام الذى يليه كله يقدر ويفصل من اللوح المحفوظ فى هذه اليلة كما قال عز وجل
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ }الدخان3 {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ }الدخان4
أي يفصل من اللوح المحفوظ إلى الحفظة من الملائكة الموكلين به (كل أمر حكيم) اى كل أمر من أمور الله المحكمة العادلة سبحان الله يااخوان لذلك يجب أن تلح على الله بالدعاء أن يرفع عنك البلاء وأن يفتح لك أبواب الخير والتوفيق والرزق وان يجعلك من أولياءه وعباده الصالحين والعجب أيها الأحبة أن الله عز وجل جعل هذه الليلة وهى ليلة واحدة قد لاتزيد ساعاتها عن عشر ساعات جعل العمل الصالح فيها من قضى هذه الليلة فى طاعة الله عز وجل كأنما عمر 83 سنة و 4 أشهر قضاها كلها فى طاعة الله, لم يفتر لحظة من الدهر, ياسبحان الله
انظروا فضل الله على عباده لما كانت هذه الأمة اقصر الأمم أعمار من سبقنا كانت أعمارهم الى 100سنة و200 سنة و أكثر من ذلك ،نوح عليه السلام أخبارنا الله عز وجل انه لبث يدعوا قومه منذ أوحى إليه وبعث يدعوا قومه ظل فيه 1000 سنة إلا خمسين عاما , الله عز وجل أعلم كم كان عمره قبل أن يوحى إليه كم مضى عليه من السنين , أما أمة محمد عليه الصلاة والسلام
هو كما قال ( أعمار أمتي بين 60 و 70 و أقلهم من يجاوز ذلك )
اقصر الأمم أعمار ولكن لما كانت كذلك وكانت امة محمد عليه الصلاة والسلام أخر الأمم وجودا ولكنها أفضل الأمم عند الله و أكرمها عند الله وهم السابقون المقدمون يوم القيامة أكرمهم الله عز وجل بالليلة القدر ليلة واحدة تزيد فى فضلها و أجرها و ذخرها و ثوابها عن 83 سنة.
يعنى اذا أنت وفقت ياأخى لقيام هذه الليلة واستثمارها فى طاعة الله وفى الذكر وقرأة القرأن و الصلاة و الدعوة الى الله و الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر و الصدقة و الإحسان وصلة الرحم تصور ياخى اذا فعلت ذلك مخلصا لله عزوجل فكأنك عمرت 83 سنة و 4 أشهر قضيت كل وقتها و ثوانيها فى طاعة وعبادة و تقرب الى الله, ياسبحان الله
و لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم( فيه ليلة خير من الف شهر من حرم خيرها فقد حرم)
عندما تمر هذه الليلة عليك و تضيعها بالنوم أو اللهو واللعب والتى ليس منها طائل, و السمر المتواصل و الأحاديث التى ليس منها نفع أو فيها نفع لكن يمكن أن تؤجل الى وقت اخر وليس هذا وقتها وليس فى هذا الوقت الثمين النفيس.
وربما والعياذ بالله يضيعها بعض الناس فى المعصية ومشاهدة الحرام وسماع الحرام والجلوس فى مجالس الحرام, ليس فاتتهم فقط فضل هذه الليلة وأجرها بل العياذ بالله تعاظمت سيئاتهم وذنوبهم في هذا الوقت الذي هو أفضل الأوقات وأحبها الى الله. .... يالله العجب
و لذلك يقول النبى صلى الله عليه وسلم كما فى حديث أنس ابن مالك رضى االله عنه قال دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة هى خير من الف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولايحرم خيرها إلا محروم )
ايه والله لا يحرم خيرها إلا محروم .
تأملوا يا اخوانى متى كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام لأصحابه أنه يقول دخل رمضان فقال صلى الله عليه وسلم ان هذا الشهر قد حضركم , من اول ما يدخل الشهر, كانه فى ليلتنا هذه أو فى الليلة القادمة أول ما يدخل شهر رمضان يخبرهم بليلة القدر ويهيئهم ويحث عزائمهم ويحشد هممهم لاغتنامها والظفر بفضائلها وخيراتها إنها ليلة القدر لاتكون إلا فى العشر الأخيرة من رمضان,سبحان الله , لكنه من اول دخول الشهر وهو يذكرهم بليلة القدر حتى يبعث هممهم ويشحن عزائمهم للحرص على قيامها واغتنامها.
و أعجب من هذا أن الله عز وجل انزل فيها سورة كاملة هى سورة القدر و أنزل فيها آيات أيضا فى سورة أخرى هى سورة الدخان يقرأها المسلم طيلة أشهر العام تقرأها فى شوال ,وذى القعدة, وذى الحجة, ومحرم وصفر لان ليلة القدر لاتتكرر ,إلا مرة واحدة فقط فى رمضان لعل المراد من ذلك أن تشحن همة المسلم وعزيمته ويهيئ للحرص على اغتنام هذه الليلة العظيمة المباركة.
لان التفريط فيها وتفويتها خسارة والله لاتعوض والله لاتعوض
لليلة واحدة لاتزيد عن عشر ساعات إذا اجتهدت فيها وفقت للصالحات كأنك عمرت أكثر من 83 سنة قضيتها كلها فى طاعة الله هل بعد هذه الخسارة من خسارة ؟؟
ولايقولن أحدكم انى اذا فرطت فيها هذا الشهر لعلى ان شاء الله فى السنوات القادمة أفعل .....من يظمن لك يأخى أن تعيش السنوات القادمة ؟؟؟ من يظمن لك أن تدرك ليلة القدر؟؟
من يضمن منكم لنفسه ان يعيش للغد ؟ كم من نفس كانت بيننا من إخواننا و أهلنا وجيراننا و أحبابنا ينتظرون هذا الشهر فماتوا امس وقبل أمس وقبل أسبوع و أسبوعين ....أمم لا يحصيهم إلا الله عز وجل حرموا خيرات هذا الشهر.
فإذا أكرمك الله سبحانه وتعالى و أدركته فأرى ربك من نفسك خيرا وقدم لنفسك عملا فلن ينفعك يوم القيامة سواه والله ليس من عمرك أيها الإنسان مهما طال إلا ما قضيته فى طاعة الله و استودعته عملا صالحا تجده أحوج ما تكون إليه فى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
إذا أنت لم تزرع و ألفيت حاصدا ****ندمت على التفريط فى زمن البذر
ثم لو قدر انك عشت بعد شهر رمضان الذي نستقبله عمرت 100 سنة, أدركت 100 رمضان ..بالله عليك... اليس فوات هذه الليلة عليك وفوات هذا الشهر المبارك خسارة لاتعوض ؟؟ بلى لا يغنى عمل عن عمل ولا زمان عن زمان لكل لحظة وظائفها وتبعاتها وواجباتها.
لذلك الحرص الحرص أيها الأحبة على اغتنام فضائل الأوقات و الحرص على هذه الأيام و اليالى المباركات فقد كان سلفنا الصالح رضى الله عنهم لا يرضون إلا أن يكونوا كل يوم فى زيادة من الخير و البر و الأعمال الصالحة .
يقول قائلهم أليس الخسران أن الليالى تمر دون نفع وتحسب من عمرى اذا مر بي يوم ولم أستفد علما ولم أكتسب هدى فماذاك من عمري .
وصدق.. إذا ذهبت عليك من دون فائدة اى لحظة من عمرك ولو كانت ثانية فليس من عمرك فهى خسارة فإن كانت فى معصية و العياذ بالله فكانت خسارة مضاعفة, كتبت عليك فى صحيفة سيئاتك و العياذ بالله
بالله إن أهناء عيشة قضيتها ذهبت لذتها و الإثم حل.... والأثم حل
ومن خصائص هذا الشهر أيضا أنه أرجى أوقات إجابة الدعاء
و فى الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام انه قال
(لكل مسلم دعوة مستجابة يدعوا بها فى رمضان )... الله اكبر
من أعظم فضل الله على عباده أن لكل مسلم دعوة مستجابة يدعوا بها فى رمضان والحديث رواه الأمام أحمد بسند صحيح
و فى رواية من بزاز بسند صحيح أيضا قال ( انه لكل مسلم فى كل يوم و ليلة دعوة مستجابة يدعوا بها فى رمضان ).
سبحان الله ضمن الله سبحانه وتعالى لك فى كل يوم وليلة فى هذا الشهر المبارك دعوة مستجابة مالم يكن فيها أثم أو قطيعة رحم أو يمنع منه مانع من شرك أو أكل حرام أو ما أشبه ذلك ان لكل مسلم فى كل يوم وليلة دعوة مستجابة يدعوا بها فى رمضان .
واذا وقعت هذه الدعوة أيها الأحبة فى وقت الصيام أى فى النهار وخاصة قبيل الإفطار كان ذلك أرجى و أحرى بقبولها.
حيث قال صلى الله عليه وسلم
( ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل , والصائم حتى يفطر ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب وعزتي وجلالي لأنصر نكى ولو بعد حين ).
و أرجى ما تكون اجابة الدعاء قبيل الإفطار حيث أن الإنسان صائم وهو ينتظر وقت الأذان يقول النبى صلى الله عليه وسلم كما فى حديث ابن ماجه بسند صحيح ( ان للصائم عند فطره دعوة لا ترد)
ولهذا أيها الأحبة يجب ان تحرص غاية الحرص على الإكثار من الدعاء أن تسأل الله عز وجل وهو بيده خزائن السموات و الأرض وبيده الخير كله واليه يرجع الأمر كله ,وهو على كل شئ قدير, أن تسأله كل ما تحب من خيريى الدنيا والآخرة و أن يدفع عنا كل ما نكره من المصائب والبلايا .
ندعوا لأنفسنا ولأزواجنا وأهلينا وأرحامانا وجيراننا و أصحابنا و أن ندعوا للمسلمين فى كل أصقاع الأرض
فما أحوج أمة الإسلام أيها الأحبة لدعوات الصائمين الصالحين الموفقين ما أحوج أخواننا فى العراق وفى فلسطين و أفغانستان والصومال والشيشان وغيرها من البلاد التى تعانى سوء العذاب, فما أحوجها والله الى الدعوة الصادقة التى تنطلق من القلوب المخلصة تتحرق وتتألم مما يصيب اخوانها هنا وهناك بأن يرفع الله عزوجل عنهم البلاء وان يخفف عنهم الضراء و أن يالف بين قلوبهم وينصرهم على أعدائهم .
اتهزاء بدعاء وتزدريه وما تدرى بما صنع الدعاء
سهام الليل لاتخطى ولكن لها اجل وللأجل انقضاء
من المؤسف أيها الأحبة أن بعض الناس عندما يصاب ببلية أو يسعى ويجتهد لتحقيق حاجة او مصلحة يبذل كل الأسباب الدنيوية ويسعى للاستعانة بالناس والوساطات من القرابة و الأصحاب وغيرهم ويغفل عن سؤال مالك الملك سبحانه وتعالى يجتهد للتذلل للناس و الاستعانة بهم ويغفل عن الاستعانة بالله عزوجل الذى بيده ملكوت كل شئ إذا أراد الشئ فإنما يقول له كن فيكون لا يعجزه شئ فى الأرض ولا فى السماء....انظر سبحان الله واذا دعوته لن تخيب والله لن تخيب لأن الله عز وجل
كما قال النبى صلى الله عليه وسلم (ما من مسلم يدعوا بدعوة ليس فيها أثم ولا قطيعة رحم إلا كان له بها إحدى ثلاث ..أنظر هو الرابح الكاسب على كل حال إلا كان له بها إحدى ثلاث
إما أن يستجيب الله دعائه.... يعنى يعطيه سؤله.
و إما أن يصرف عنه السوء مثلها..... لولا لم يدعوا لوقع بلية أو مصيبة
و إما أن يدخرها عنده و الثالثة والله أفضلها و أكملها أن تذخر لك فى الأخرة
فقال الصحابة رضى الله عنهم إذا يارسول الله نستكثر ...مادمنا رابحين على كل حال فلن نفتر على الدعاء فقال فالله أكثر..فالله أكثر
و فى الحديث الأخر (ان الله يحب الملحين على الدعاء)
وفى الحديث الأخر وهو حديث صحيح (من لم يسأل الله يغضب عليه ).
الله أكبر أرأيت رحمة ربنا بنا أنت إذا لم تسأله يغضب عليك وهذا من كمال رحمته بعباده وعظيم فضله ومنه عليهم سبحان تعالى بعد السؤال و الإلحاح بالدعاء ولذلك سبحان وتعالى يغضب على عباده الذين لم يدعوه لأنه يريد أن يعطيهم ويكرمهم ويزيدهم ويرفع عنهم البلاء والضراء.
بينما البشر اذا سألته ربما منعك من أول مرة وقد توفق بشخص يحبك ويقدرك ويحرص على نفعك و إعانتك ويعطيك فى المرة الأولى تم تسأله الثانية فيعطيك وقد تسأله الثالثة فيعطيك على تكره وتبرم ثم تسأله الرابعة فيعطيك على تأفف و إن سألته بعدها فقد يردك .لكن الله عزوجل كلما سألته وألحيت عليه كنت منه أقرب
وقد صدق أبو العتاهية حين قال:-
لاتسألن بني أدم حاجة *** وسأل الذى أبوابه لاتحجب
الله يغضب إن ترك سؤاله *** وبني أدم حين يسأل يغضب
فاجعل سؤالك للإله فإنما *** من فضل نعمة ربنا نتقلب