الحمد لله الذي يعلم السر وأخفى، الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى، أحصى على العباد أعمالهم وقدر آجالهم، ويوم القيامة يجزي كلَّ نفس بما تسعى، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، له الفضل والثناء والنِّعمُ التي لا تحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله المصطفى. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الأتقياء.
أما بعد: أيها المسلمون، قال الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ [الجمعة:9].
أيها الأحبة في الله، أحب أن أذكركم في هذه الخطبة، بهذا اليوم العظيم الذي نحن فيه، وهو يوم الجمعة، لأن بعض المسلمين يغفلون عن هذا اليوم، ويغفلون عما في هذا اليوم، الجمعة يوم عظيم من أيام الله، له من الفضائل، والخصائص، والمزايا، ما لا يوجد في غيره من الأيام. إنه عيد الأسبوع، وشعيرة كبرى، وموسم كريم يتكرر كل سبعة أيام، اختص الله عز وجل هذه الأمة بهذا اليوم، ضلت عنه الأمم قبلنا، وهدانا الله له، كان لليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد، ففي الصحيحين عن النبي أنه قال: ((نحن الآخرون الأولون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، والناس لنا فيه تبع، اليهود غداً، والنصارى بعد غد))، وفي جامع الترمذي من حديث أبى هريرة رضي الله عنه، عن النبي قال: ((خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة)).لقد كان من هدي النبي تعظيم هذا اليوم، وتشريعه وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره، كان رسول الله ، يقرأ في فجر يوم الجمعة، بسورتي السجدة والإنسان وهذه يتثاقلها كثير من المصلين، وربما لاموا إمامهم، بأنه قد أطال عليهم الصلاة، وهذا من الحرمان، ومن ثقل تطبيق السنة عليهم، وإنما كان يقرأ بهاتين السورتين في فجر الجمعة، لأنهما تضمنتا ما كان وما يكون في يومها، فإنهما اشتملتا على خلق آدم، وعلى ذكر يوم القيامة، وحشر العباد، وذلك يكون يوم الجمعة، ففي قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما يحدث فيه من الأحداث العظام، حتى يستعدوا لذلك.أيها المسلمون، إن من بركات هذا اليوم أن الله يغفر لعبده ما ارتكب ما بين الجمعتين من آثام وخطايا، إذا اجتَنب الكبائر، كما في صحيح مسلم: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر))، بل إن ذلك الثواب يتعدى الأسبوع إلى عشرة أيام لأن الحسنة بعشرة أمثالها. ومن بركات هذا اليوم العظيم، أنه ما من مسلم يهلك في يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله شر فتنة القبر وعذابه، إذا كان هذا المسلم من أهل الخير والصلاح، فإنه يرجى له خير كثير لو مات يوم الجمعة أو ليلته، روى الإمام أحمد وغيره عن رسول الله قوله: ((ما من مسلم يموت يوم الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر)).وفي هذا اليوم العظيم، ستكون نهاية العالم، وستكون نهاية الحياة على وجه الأرض، وفي هذا اليوم سيكون قيام الساعة، والساعة أدهى وأمر، وسيكون حشر الناس والقضاء بينهم إما إلى جنة وإما إلى نار، وما دام الأمر كذلك، فإنه كما جاء في الأثر أنه في ليلة الجمعة، ((ما من شيء إلا وهو مشفق وجِلٌ خائف من قيام الساعة إلا الثقلين الإنس والجن))، فسبحان الله، كل مخلوقات الله جل وعلا، تخاف ليلة الجمعة، تخاف من قيام الساعة، إلا هذين الثقلين، وعجباً لابن آدم، فإنك ما تراه أغفلَ ولا أفجرَ ولا أطغى في يوم من الأيام، منه في يوم الجمعة أو ليلة الجمعة، وما رصد قوم لهم عبثاً أو لهواً أو فجوراً أو فسوقاً إلا وجعلوه في يوم الجمعة، أو ليلة الجمعة، فيا ويح ابن آدم ما أظلمه وما أفجره، وما أفسقه، فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله تعالى، واعرفوا لهذا اليوم حقه ومنزلته، عظموا هذا اليوم، وخصوه دون غيره من الأيام ببعض أعمالكم، فاحرص يا عبد الله على ما يلي:أكثر من الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلته، لأن كل خير نالته هذه الأمة، من خيري الدنيا والآخرة، فإنما نالته على يد هذا النبي الكريم، فينبغي الإكثار من الصلاة عليه ثم عليك بالاغتسال والتنظيف والتطيب والسواك ولبس أحسن الثياب يوم الجمعة لأنه يوم اجتماع المسلمين وعيد الأسبوع فيكون المسلم في هذه المناسبة على أحسن الأحوال وأكمل الخصال تعظيماً لهذا اليوم وعملاً بسنة المصطفى ، وقبل هذا احرص على صلاة الفجر يوم الجمعة، جماعة مع المسلمين، ولا تسهر تلك الليلة حتى تتمكن من الاستيقاظ.ثم عليك بالتبكير بالذهاب لصلاة الجمعة ماشياً إن أمكن، فإن للماشي إلى الجمعة بكل خطوة يخطوها، أجر سنة صيامه وقيامه روى الإمام أحمد بسند صحيح عن رسول الله قال: ((من غسل واغتسل يوم الجمعة، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فأنصت كان له بكل خطوة يخطوها صيام سنة وقيامه))، فما أعظم هذا الأجر يا عباد الله، هذا أجر المسير والتبكير إلى الجمعة، كل خطوة تعادل في الثواب صيام سنة وقيامها أضف إلى ذلك إن المبكر إذا دخل المسجد فاشتغل بالصلاة والذكر وقراءة القران حصل على خيرات كثيرة، والملائكة تستغفر له طيلة بقائه في المسجد، ويكتب له أجر المصلى مادام ينتظر الصلاة، ولكن ومع كل أسف، كثير من الناس زهد في هذا الأجر، ورغب عن هذا الخير، فصار لا يأتي لصلاة الجمعة إلا في آخر لحظة، ومنهم من يأتي وقت الخطبة فقط أو في آخرها، وهذا أمر ملحوظ ومشاهد، يدخل الخطيب المسجد، فلا تكاد ترى إلا بعض الصفوف، وما إن يشرع الخطيب في الخطبة ويسمعه الناس حول المسجد فيبدؤون في المجيء ومنهم من يتأخر حتى قبيل الإقامة، وهذا لاشك أنه حرمان عظيم وتثبيط من الشيطان، وضعف من النفس، فاتقوا الله، عباد الله لا تحرموا أنفسكم هذا الأجر العظيم، بكروا إلى الجمعة، لتحوزوا على رضوان الله جل وعلا، ولا تنس يا عبد الله، إذا بكرت إلى الجمعة، أن تقرأ سورة الكهف، فإنها سنة مأثورة عن النبي ، وفيها خير عظيم، استمع إلى ما رواه البيهقي وغيره بسند صحيح، قوله : ((من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين)).ثم احرص يا عبد الله، احرص على صلاة الجمعة وخطبتها، التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده والشهادة له بالوحدانية ولنبيه بالرسالة وتذكير العباد بأيام الله وتحذيرهم ونهيهم عما يقرب لهم من سخطه وناره، فالخطبة شرط من شروط صحة الجمعة، وحضورها واستماعها أمر مقصود ومتأكد في حق المصلين. فالإنصات للخطبة إذا سمعها أمر واجب، ومن لم ينصت كان لاغياً، ومن لغا فلا جمعة له، روى مسلم في صحيحه قوله عليه الصلاة والسلام(من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصا فقد لغا)) ما أعظمه من حديث. من مس حصا المسجد أو عبث بشيء من متاعه والإمام يخطب فقد لغا في جمعته، وما من دين على وجه الأرض يلزم مؤمنيه في يوم من أيام الأسبوع أن يأتوا يوم الجمعة بالاستماع والإنصات، كأشد ما يكون الاستماع والإنصات إلى خطبة الجمعة، لا يلتفتون عنها بشيء، ولا يردون السلام ولا يشمتون العاطس، كلهم آذان صاغية، كأن على رؤوسهم الطير.فانتبه يا عبد الله، لا تفسد جمعتك بعبث أو غيره، توجه بسمعك وقلبك إلى الخطبة ولا تتكلم حال الخطبة ولا تكن من الذين غلب عليهم الكسل أو عدم المبالاة يملون من الجلوس ربع ساعة لاستماع ذكر أو موعظة، ولهذا تجدهم يأتون في آخر الخطبة حتى لا يكثر ويطيل الجلوس، وبعضهم إذا جاء متأخراً فإنه لا يجلس يظل واقفاً حتى تقام الصلاة، ولو طلب من أحدهم أن يجلس في غير هذا المكان لجلس الساعات الطوال، في لهو أو لعب أو غيره، فأي حرمان للعبد أكثر من هذا، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن النبي أنه قال: ((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)) .فانظروا رحمكم الله إلى هذا الفرق العظيم بين أجر من يبكر ويأتي في الساعة الأولى ومن يتأخر ويأتي في الساعة الخامسة الأخيرة، إنه الفرق بين من يتصدق ويتبرع بالبدنة وبين من يتصدق ويتبرع بالبيضة فانظر لنفسك ماذا أنت تختار. ولو حصل لك ظرف معين في أحد المرات وتأخرت لظرف خارج عن إرادتك فاحرص أيضا أن تكون على الأقل مع من يقرب بقرة، أو على الأقل دجاجة، لكن يكون طبعك وديدنك مع البيضة دائماً فهذا أيضاً من الحرمان، أما إذا دخل الخطيب فإن البيضة أيضاً، أنت لست من أهلها، لأن الملائكة تطوي صحفها وتجلس تستمع إلى الخطبة. يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة:9، 10]
الحمد لله رب العالمين، شرع لعباده الجمع والجماعات، ليطهرهم بها من السيئات ويرفع لهم بها الدرجات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته والأسماء والصفات، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أنزل عليه الآيات البينات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا في جميع الأوقات
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله واعلموا أن للجمعة سننًا وآدابًا لا بد لكل مصلّ من مراعاتها استجابة لأوامر الكتاب والسنة، فلا تؤذينَّ ـ أخي المسلم ـ أحدًا برائحة كريهة، فعليك قبل الإتيان إلى المسجد الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب لقوله : ((غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وسواك ويمس من الطيب ما قدر عليه))، وفي رواية: ((ولو من طيبِ المرأة))[1].
كما يجب عليك ـ أخي المسلم ـ أن تتحاشى تخطّي رقاب المسلمين في المسجد، وإن كنت حريصًا على الصفوف الأولى فعليك بالتبكير بدلاً من التأخر والوقوع في المحاذير، ولا ترفعن صوتك حتى ولو بقراءة القرآن، فإنها تشوش على المصلين صلاتهم، ولا تقيمن أحدًا من مجلسه، ولا تمرن بين يدي مصل فيفوتك الثواب وتستحق العقاب.
وإياك ثم إياك أن تنسى الإكثار من الصلاة على النبي في هذا اليوم المبارك، فإن من حقه علينا أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته كما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم من الندب إلى مشروعية الصلاة والسلام عليه في يوم الجمعة وليلتها بصفة خاصة وفي سائر الليالي والأيام بصفة عامة، فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من صلى عليّ في يومه وليلته عشر مرات حلت له شفاعتي يوم القيامة))، اللهم ارزقنا شفاعته ومحبته ومتابعته والالتزام بسنته والبعد عن مخالفته، وأن تحشرنا معه يوم القيامة بفضلك ومنّك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم آمين.
إذا دخلت والإمام يخطب فإنه لا يجوز لك أن تجلس حتى تصلي ركعتين خفيفتين لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام، فليصل ركعتين))، متفق عليه، وزاد مسلم: ((وليوجز فيهما)).
لا يجوز السفر يوم الجمعة إذا دخل وقتها بزوال الشمس، لمن يلزمه أداؤها، ويكره السفر قبل الزوال إلا أن كان سيؤديها في طريقه في جامع آخر.
إياك أن تتخطى رقاب الناس إذا حضرت متأخراً، فقد رأى رسول الله النبي وهو على المنبر رجلاً يتخطى رقاب الناس فقال له: ((اجلس، فقد آذيت وآذيت)).رابعاً: ليست هناك راتبة قبلية لصلاة الجمعة، بل يتنفل المسلم بما شاء من الصلاة، حتى يحضر الإمام، أما البعدي، فهناك إما أربع في المسجد أو ركعتان في البيت.
عن أبى هريرة رضي الله عنه، كما في الصحيحين عن النبي قال: ((إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه)) فاحرص يا عبد الله أن توافق هذه الساعة، وقيل إنها في آخر ساعة بعد العصر من يوم الجمعة، فأكثر فيها من الدعاء لنفسك، ولإخوانك المسلمين، فإن واقع الأمة اليوم وإن أحوال المسلمين الآن لهو في أمس الحاجة إلى دعوات صادقات، تخرج من قلب مخلص، يتألم، ويتفطر لواقع أمته، وما يجري فيها، وما يدار حولها، والله المستعان، فلعلك أخي المسلم تصادف ساعة إجابة يكون فيها الخير لك ولغيرك.سادساً: لا تكن من الذين لا يعرفون يوم الجمعة إلا أنه يوم الراحة الأسبوعية كما يسميه البعض، يوم التنـزه، ويوم عطلة وفراغ، يقضيه في اللهو واللعب، وربما في المعاصي والعياذ بالله، يسهر ليلة وينام نهاره، إن هذا ليس من الإسلام في شيء، في الإسلام يوم الجمعة، يوم عبادة، ويوم طاعة أكثر من أيام الأسبوع الباقية، فمن لا يعرف هذا فليصحح مفهومه، وليغير تصوره، ثم ليتغير بعد ذلك سلوكه.
يكره تخصيص يوم الجمعة بصيام أو ليلته بصلاة من بين الليالي، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: ((لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم))، رواه مسلم، وعن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: ((أصمت أمس)) قالت: لا. قال: ((أتريدين أن تصومي غداً؟)) قالت: لا، قال(فأفطري)) رواه البخاري.ثامناً: ثبت عن الرسول أنه كان يقرأ في صلاة الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية، وربما قرأ بالجمعة والمنافقون.
أما بعد: أيها المسلمون، قال الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ [الجمعة:9].
أيها الأحبة في الله، أحب أن أذكركم في هذه الخطبة، بهذا اليوم العظيم الذي نحن فيه، وهو يوم الجمعة، لأن بعض المسلمين يغفلون عن هذا اليوم، ويغفلون عما في هذا اليوم، الجمعة يوم عظيم من أيام الله، له من الفضائل، والخصائص، والمزايا، ما لا يوجد في غيره من الأيام. إنه عيد الأسبوع، وشعيرة كبرى، وموسم كريم يتكرر كل سبعة أيام، اختص الله عز وجل هذه الأمة بهذا اليوم، ضلت عنه الأمم قبلنا، وهدانا الله له، كان لليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد، ففي الصحيحين عن النبي أنه قال: ((نحن الآخرون الأولون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، والناس لنا فيه تبع، اليهود غداً، والنصارى بعد غد))، وفي جامع الترمذي من حديث أبى هريرة رضي الله عنه، عن النبي قال: ((خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة)).لقد كان من هدي النبي تعظيم هذا اليوم، وتشريعه وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره، كان رسول الله ، يقرأ في فجر يوم الجمعة، بسورتي السجدة والإنسان وهذه يتثاقلها كثير من المصلين، وربما لاموا إمامهم، بأنه قد أطال عليهم الصلاة، وهذا من الحرمان، ومن ثقل تطبيق السنة عليهم، وإنما كان يقرأ بهاتين السورتين في فجر الجمعة، لأنهما تضمنتا ما كان وما يكون في يومها، فإنهما اشتملتا على خلق آدم، وعلى ذكر يوم القيامة، وحشر العباد، وذلك يكون يوم الجمعة، ففي قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما يحدث فيه من الأحداث العظام، حتى يستعدوا لذلك.أيها المسلمون، إن من بركات هذا اليوم أن الله يغفر لعبده ما ارتكب ما بين الجمعتين من آثام وخطايا، إذا اجتَنب الكبائر، كما في صحيح مسلم: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر))، بل إن ذلك الثواب يتعدى الأسبوع إلى عشرة أيام لأن الحسنة بعشرة أمثالها. ومن بركات هذا اليوم العظيم، أنه ما من مسلم يهلك في يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله شر فتنة القبر وعذابه، إذا كان هذا المسلم من أهل الخير والصلاح، فإنه يرجى له خير كثير لو مات يوم الجمعة أو ليلته، روى الإمام أحمد وغيره عن رسول الله قوله: ((ما من مسلم يموت يوم الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر)).وفي هذا اليوم العظيم، ستكون نهاية العالم، وستكون نهاية الحياة على وجه الأرض، وفي هذا اليوم سيكون قيام الساعة، والساعة أدهى وأمر، وسيكون حشر الناس والقضاء بينهم إما إلى جنة وإما إلى نار، وما دام الأمر كذلك، فإنه كما جاء في الأثر أنه في ليلة الجمعة، ((ما من شيء إلا وهو مشفق وجِلٌ خائف من قيام الساعة إلا الثقلين الإنس والجن))، فسبحان الله، كل مخلوقات الله جل وعلا، تخاف ليلة الجمعة، تخاف من قيام الساعة، إلا هذين الثقلين، وعجباً لابن آدم، فإنك ما تراه أغفلَ ولا أفجرَ ولا أطغى في يوم من الأيام، منه في يوم الجمعة أو ليلة الجمعة، وما رصد قوم لهم عبثاً أو لهواً أو فجوراً أو فسوقاً إلا وجعلوه في يوم الجمعة، أو ليلة الجمعة، فيا ويح ابن آدم ما أظلمه وما أفجره، وما أفسقه، فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله تعالى، واعرفوا لهذا اليوم حقه ومنزلته، عظموا هذا اليوم، وخصوه دون غيره من الأيام ببعض أعمالكم، فاحرص يا عبد الله على ما يلي:أكثر من الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلته، لأن كل خير نالته هذه الأمة، من خيري الدنيا والآخرة، فإنما نالته على يد هذا النبي الكريم، فينبغي الإكثار من الصلاة عليه ثم عليك بالاغتسال والتنظيف والتطيب والسواك ولبس أحسن الثياب يوم الجمعة لأنه يوم اجتماع المسلمين وعيد الأسبوع فيكون المسلم في هذه المناسبة على أحسن الأحوال وأكمل الخصال تعظيماً لهذا اليوم وعملاً بسنة المصطفى ، وقبل هذا احرص على صلاة الفجر يوم الجمعة، جماعة مع المسلمين، ولا تسهر تلك الليلة حتى تتمكن من الاستيقاظ.ثم عليك بالتبكير بالذهاب لصلاة الجمعة ماشياً إن أمكن، فإن للماشي إلى الجمعة بكل خطوة يخطوها، أجر سنة صيامه وقيامه روى الإمام أحمد بسند صحيح عن رسول الله قال: ((من غسل واغتسل يوم الجمعة، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فأنصت كان له بكل خطوة يخطوها صيام سنة وقيامه))، فما أعظم هذا الأجر يا عباد الله، هذا أجر المسير والتبكير إلى الجمعة، كل خطوة تعادل في الثواب صيام سنة وقيامها أضف إلى ذلك إن المبكر إذا دخل المسجد فاشتغل بالصلاة والذكر وقراءة القران حصل على خيرات كثيرة، والملائكة تستغفر له طيلة بقائه في المسجد، ويكتب له أجر المصلى مادام ينتظر الصلاة، ولكن ومع كل أسف، كثير من الناس زهد في هذا الأجر، ورغب عن هذا الخير، فصار لا يأتي لصلاة الجمعة إلا في آخر لحظة، ومنهم من يأتي وقت الخطبة فقط أو في آخرها، وهذا أمر ملحوظ ومشاهد، يدخل الخطيب المسجد، فلا تكاد ترى إلا بعض الصفوف، وما إن يشرع الخطيب في الخطبة ويسمعه الناس حول المسجد فيبدؤون في المجيء ومنهم من يتأخر حتى قبيل الإقامة، وهذا لاشك أنه حرمان عظيم وتثبيط من الشيطان، وضعف من النفس، فاتقوا الله، عباد الله لا تحرموا أنفسكم هذا الأجر العظيم، بكروا إلى الجمعة، لتحوزوا على رضوان الله جل وعلا، ولا تنس يا عبد الله، إذا بكرت إلى الجمعة، أن تقرأ سورة الكهف، فإنها سنة مأثورة عن النبي ، وفيها خير عظيم، استمع إلى ما رواه البيهقي وغيره بسند صحيح، قوله : ((من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين)).ثم احرص يا عبد الله، احرص على صلاة الجمعة وخطبتها، التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده والشهادة له بالوحدانية ولنبيه بالرسالة وتذكير العباد بأيام الله وتحذيرهم ونهيهم عما يقرب لهم من سخطه وناره، فالخطبة شرط من شروط صحة الجمعة، وحضورها واستماعها أمر مقصود ومتأكد في حق المصلين. فالإنصات للخطبة إذا سمعها أمر واجب، ومن لم ينصت كان لاغياً، ومن لغا فلا جمعة له، روى مسلم في صحيحه قوله عليه الصلاة والسلام(من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصا فقد لغا)) ما أعظمه من حديث. من مس حصا المسجد أو عبث بشيء من متاعه والإمام يخطب فقد لغا في جمعته، وما من دين على وجه الأرض يلزم مؤمنيه في يوم من أيام الأسبوع أن يأتوا يوم الجمعة بالاستماع والإنصات، كأشد ما يكون الاستماع والإنصات إلى خطبة الجمعة، لا يلتفتون عنها بشيء، ولا يردون السلام ولا يشمتون العاطس، كلهم آذان صاغية، كأن على رؤوسهم الطير.فانتبه يا عبد الله، لا تفسد جمعتك بعبث أو غيره، توجه بسمعك وقلبك إلى الخطبة ولا تتكلم حال الخطبة ولا تكن من الذين غلب عليهم الكسل أو عدم المبالاة يملون من الجلوس ربع ساعة لاستماع ذكر أو موعظة، ولهذا تجدهم يأتون في آخر الخطبة حتى لا يكثر ويطيل الجلوس، وبعضهم إذا جاء متأخراً فإنه لا يجلس يظل واقفاً حتى تقام الصلاة، ولو طلب من أحدهم أن يجلس في غير هذا المكان لجلس الساعات الطوال، في لهو أو لعب أو غيره، فأي حرمان للعبد أكثر من هذا، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن النبي أنه قال: ((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)) .فانظروا رحمكم الله إلى هذا الفرق العظيم بين أجر من يبكر ويأتي في الساعة الأولى ومن يتأخر ويأتي في الساعة الخامسة الأخيرة، إنه الفرق بين من يتصدق ويتبرع بالبدنة وبين من يتصدق ويتبرع بالبيضة فانظر لنفسك ماذا أنت تختار. ولو حصل لك ظرف معين في أحد المرات وتأخرت لظرف خارج عن إرادتك فاحرص أيضا أن تكون على الأقل مع من يقرب بقرة، أو على الأقل دجاجة، لكن يكون طبعك وديدنك مع البيضة دائماً فهذا أيضاً من الحرمان، أما إذا دخل الخطيب فإن البيضة أيضاً، أنت لست من أهلها، لأن الملائكة تطوي صحفها وتجلس تستمع إلى الخطبة. يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة:9، 10]
الحمد لله رب العالمين، شرع لعباده الجمع والجماعات، ليطهرهم بها من السيئات ويرفع لهم بها الدرجات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته والأسماء والصفات، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أنزل عليه الآيات البينات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا في جميع الأوقات
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله واعلموا أن للجمعة سننًا وآدابًا لا بد لكل مصلّ من مراعاتها استجابة لأوامر الكتاب والسنة، فلا تؤذينَّ ـ أخي المسلم ـ أحدًا برائحة كريهة، فعليك قبل الإتيان إلى المسجد الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب لقوله : ((غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وسواك ويمس من الطيب ما قدر عليه))، وفي رواية: ((ولو من طيبِ المرأة))[1].
كما يجب عليك ـ أخي المسلم ـ أن تتحاشى تخطّي رقاب المسلمين في المسجد، وإن كنت حريصًا على الصفوف الأولى فعليك بالتبكير بدلاً من التأخر والوقوع في المحاذير، ولا ترفعن صوتك حتى ولو بقراءة القرآن، فإنها تشوش على المصلين صلاتهم، ولا تقيمن أحدًا من مجلسه، ولا تمرن بين يدي مصل فيفوتك الثواب وتستحق العقاب.
وإياك ثم إياك أن تنسى الإكثار من الصلاة على النبي في هذا اليوم المبارك، فإن من حقه علينا أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته كما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم من الندب إلى مشروعية الصلاة والسلام عليه في يوم الجمعة وليلتها بصفة خاصة وفي سائر الليالي والأيام بصفة عامة، فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من صلى عليّ في يومه وليلته عشر مرات حلت له شفاعتي يوم القيامة))، اللهم ارزقنا شفاعته ومحبته ومتابعته والالتزام بسنته والبعد عن مخالفته، وأن تحشرنا معه يوم القيامة بفضلك ومنّك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم آمين.
إذا دخلت والإمام يخطب فإنه لا يجوز لك أن تجلس حتى تصلي ركعتين خفيفتين لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام، فليصل ركعتين))، متفق عليه، وزاد مسلم: ((وليوجز فيهما)).
لا يجوز السفر يوم الجمعة إذا دخل وقتها بزوال الشمس، لمن يلزمه أداؤها، ويكره السفر قبل الزوال إلا أن كان سيؤديها في طريقه في جامع آخر.
إياك أن تتخطى رقاب الناس إذا حضرت متأخراً، فقد رأى رسول الله النبي وهو على المنبر رجلاً يتخطى رقاب الناس فقال له: ((اجلس، فقد آذيت وآذيت)).رابعاً: ليست هناك راتبة قبلية لصلاة الجمعة، بل يتنفل المسلم بما شاء من الصلاة، حتى يحضر الإمام، أما البعدي، فهناك إما أربع في المسجد أو ركعتان في البيت.
عن أبى هريرة رضي الله عنه، كما في الصحيحين عن النبي قال: ((إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه)) فاحرص يا عبد الله أن توافق هذه الساعة، وقيل إنها في آخر ساعة بعد العصر من يوم الجمعة، فأكثر فيها من الدعاء لنفسك، ولإخوانك المسلمين، فإن واقع الأمة اليوم وإن أحوال المسلمين الآن لهو في أمس الحاجة إلى دعوات صادقات، تخرج من قلب مخلص، يتألم، ويتفطر لواقع أمته، وما يجري فيها، وما يدار حولها، والله المستعان، فلعلك أخي المسلم تصادف ساعة إجابة يكون فيها الخير لك ولغيرك.سادساً: لا تكن من الذين لا يعرفون يوم الجمعة إلا أنه يوم الراحة الأسبوعية كما يسميه البعض، يوم التنـزه، ويوم عطلة وفراغ، يقضيه في اللهو واللعب، وربما في المعاصي والعياذ بالله، يسهر ليلة وينام نهاره، إن هذا ليس من الإسلام في شيء، في الإسلام يوم الجمعة، يوم عبادة، ويوم طاعة أكثر من أيام الأسبوع الباقية، فمن لا يعرف هذا فليصحح مفهومه، وليغير تصوره، ثم ليتغير بعد ذلك سلوكه.
يكره تخصيص يوم الجمعة بصيام أو ليلته بصلاة من بين الليالي، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: ((لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم))، رواه مسلم، وعن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: ((أصمت أمس)) قالت: لا. قال: ((أتريدين أن تصومي غداً؟)) قالت: لا، قال(فأفطري)) رواه البخاري.ثامناً: ثبت عن الرسول أنه كان يقرأ في صلاة الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية، وربما قرأ بالجمعة والمنافقون.