فلم يرفث ولم يفسق
الحج شعيرة من شعائر دين الإسلام الحنيف، وركن من أركانه العظام كما في حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ)) رواه البخاري برقم (؛ ومسلم برقم (16)، فعلم من خلال هذا الحديث أن الحج ركن من أركان الإسلام من أنكره كفر وخرج من الملة، وهذه العبادة لها وقت محدد جاء تعيينه في قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} (سورة البقرة:197) فأما الرفث فهو الجماع ودواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك، وكذا التكلم به بحضرة النساء، وأما الفسوق: فهو إتيان المعاصي كبرت أم صغرت، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره: "وقوله {فَلاَ رَفَثَ} أي من أحرم بالحج أو العمرة فليجتنب الرفث وهو الجماع كما قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ} (سورة البقرة:187), وكذلك يحرم تعاطي دواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك, كذلك التكلم به بحضرة النساء قال ابن جرير: حدثني يونس أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس: أن نافعاً أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول: الرفث إتيان النساء، والتكلم بذلك للرجال والنساء إذا ذكروا ذلك بأفواههم, قال ابن وهب: وأخبرني أبو صخر عن محمد بن كعب مثله, وروى ابن جرير بسنده عن ابن عباس أنه كان يحدو وهو محرم وهو يقول:
وهن يمشين بنا هميس إن يصدق الطير ننل لميسا
وقال أبو العالية: فقلت: تكلم بالرفث وأنت محرم؟ قال: إنما الرفث ما قيل عند النساء, وقال عبد الله بن طاوس عن أبيه: سألت ابن عباس عن قول الله عز وجل: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ}؟ قال: الرفث التعريض بذكر الجماع, وهي العرابة في كلام العرب وهو أدنى الرفث, وقال عطاء بن أبي رباح: الرفث الجماع وما دونه من قول الفحش، وكذا قال عمرو بن دينار، وقال عطاء: كانوا يكرهون العرابة وهو التعريض وهو محرم، وقال طاوس: هو أن يقول للمرأة إذا حللت أصبتك وكذا، قال أبو العالية: وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الرفث غشيان النساء والقبلة والغمز، وأن يعرض لها بالفحش من الكلام ونحو ذلك, وقال ابن عباس أيضاً وابن عمر: الرفث غشيان النساء, وكذا قال سعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وإبراهيم وأبو العالية عن عطاء ومكحول وعطاء الخراساني وعطاء بن يسار وعطية وإبراهيم النخعي والربيع والزهري والسدي ومالك بن أنس ومقاتل بن حيان وعبد الكريم بن مالك والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم"أ.ه 1 .
وفي الآية أيضاً دليل على أن للحج وقتاً معلوماً، وأن وقته أشهر معلومات هي: شوال، وذو القعدة، والعشر الأوائل من ذي الحجة، وعلى هذا فلا يصح الإحرام بالحج إلا في هذه الأشهر المعلومات, وتخصص هذه الأشهر المعلومات لأداء شعائر الحج في مواعيدها المعروفة، وعلى هذا عمل المسلمين.
وقد حدد النبي صلى الله عليه وآله وسلم جزاء من تجنب الرفث، والفسوق، والعصيان فقال في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)) رواه البخاري برقم (1690) واللفظ له؛ ومسلم برقم (2404).
إلا أن الحج ليس أداء عبادة فقط؛ بل له شروط ومتطلبات قد تختلف بعض الشيء عن بقية العبادات، لأنه عبادة بدنية، ومالية، ووقتية محددة بوقت معين... الخ، وهذه العبادة (عبادة الحج) مبنية على الاستطاعة حتى تجب على مؤديها، ثم في وقت أدائها يجب على الحاج أداؤها حال الاستطاعة فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل: أي العمل أفضل؟ فقال: ((إيمان بالله ورسوله)) قيل: ثم ماذا؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله))، قيل: ثم ماذا؟ قال: ((حج مبرور)) رواه البخاري برقم (26), وفي هذا الحديث العظيم جملة من الفوائد نذكر منها:
1. أن الحج المبرور (وهو الذي عمل فيه الحاج الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات)؛ يكون جزاؤه الجنة.
2. وفيه أيضاً يحدد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصفة المطلوبة للحج وهي البر، والحج المبرور معناه ما ذُكِرَ في الآية: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}، فإذا لم يخالطه رفث، أو فسوق، أو معصية؛ فهو الحج الذي حدد النبي - صلى الله عليه وسلم - جزاؤه فقال في الحديث الذي رواه أَبِو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: ((الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ)) رواه البخاري برقم (1650).
ونجد أن الله تعالى يحبب إليهم فعل الجميل بعد النهي عن فعل القبيح فيقول: {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ}، ويكفي في حس المؤمن أن يتذكر أن الله يعلم ما يفعله من خير، ويطلع عليه، ليكون هذا حافزاً على فعل الخير، ليراه الله منه ويعلمه، وهذا وحده جزاء قبل الجزاء، ثم يدعوهم إلى التزود في رحلة الحج: زاد الجسد، وزاد الروح {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}, فالتقوى زاد القلوب والأرواح ؛ منه تقتات، وبه تتقوى وترف وتشرق، وعليه تستند في الوصول والنجاة، وأولوا الألباب هم أول من يدرك التوجيه إلى التقوى، وخير من ينتفع بهذا الزاد.
وفي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَالْحَجّ الْمَبْرُور لَيْسَ لَهُ جَزَاء إِلَّا الْجَنَّة)) الْأَصَحّ الْأَشْهَر: أَنَّ الْمَبْرُور هُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطهُ إِثْم، مَأْخُوذ مِنْ الْبِرّ وَهُوَ الطَّاعَة، وَقِيلَ: هُوَ الْمَقْبُول، وَمِنْ عَلَامَة الْقَبُول أَنْ يَرْجِع خَيْراً مِمَّا كَانَ، وَلَا يُعَاوِد الْمَعَاصِي، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا رِيَاء فِيهِ، وَقِيلَ: الَّذِي لَا يُعْقِبهُ مَعْصِيَة، وَهُمَا دَاخِلَانِ فِيمَا قَبْلهمَا، وَمَعْنَى ((لَيْسَ لَهُ جَزَاء إِلَّا الْجَنَّة)): أَنَّهُ لَا يَقْتَصِر لِصَاحِبِهِ مِنْ الْجَزَاء عَلَى تَكْفِير بَعْض ذُنُوبه، بَلْ لَا بُدّ أَنْ يَدْخُل الْجَنَّة 2 ، والمراد بالحج الذي يكفِّر الذنوب هو الحج الذي وفيت أحكامه، فوقع لما طُلِبَ من المكلف على الوجه الأكمل.
والحج المبرور قد يكون أفضل من الجهاد في سبيل الله لما في الحديث عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: ((لَا، لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ)) رواه البخاري برقم (1423)، فهو مكفر للذنوب والمعاصي لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص في قصة إسلام أبيه لما اشترط أن يغفر له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله)) رواه مسلم برقم (121).
فالحج من صالح الأعمال التي بها يتم تكفير السيئات (عدا الكبائر التي لا بد لها من توبة صادقة بشروط التوبة المعروفة) إذا أداه العبد على وجهه الشرعي. ولذا حرَّم الله عز وجل على الحاج الرفث والجدال في الحج أثناء تأدية المناسك؛ كونها ستحصل نتيجة الزحام غير العادي، والتقاء جنسيات مختلفة اللغة واللهجة والمظهر، والله سبحانه وتعالى يريد من الحجاج أن يكونوا في موسم الحج في جو أقرب شبهاً بالملائكة؛ لأن الله يباهي بهم الملائكة؛ فوجب عليهم أن يبتعدوا عن كل شهوة ومعصية وجدال، وأن يكون كل وقتهم ذكراً لله تعالى، وأن يتجردوا لله تبارك وتعالى في هذه الفترة، ويرتفعوا على دواعي الأرض، ويتعلقوا بالله تبارك وتعالى دون سواه، ويتأدبوا في بيته الحرام، فإذا ما انتهى الحاج من حجه بعد ذلك غُفِرَت جميع ذنوبه، ليتحقق بذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)) رواه البخاري برقم (1690) واللفظ له؛ ومسلم برقم (2404).
أخي الكريم: يا من أنعم الله عليك بالنعم فوفقك لزيارة بيت الله العتيق؛ اغتنم تلك الفرصة العظيمة في التزود لمرضاة الرحمن, والمسارعة في اغتنام الأوقات بجعلها في الطاعات, نسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل من الحجاج والمعتمرين, وأن يوفقنا لزيارة هذا البيت العظيم؛ إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين .
الحج شعيرة من شعائر دين الإسلام الحنيف، وركن من أركانه العظام كما في حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ)) رواه البخاري برقم (؛ ومسلم برقم (16)، فعلم من خلال هذا الحديث أن الحج ركن من أركان الإسلام من أنكره كفر وخرج من الملة، وهذه العبادة لها وقت محدد جاء تعيينه في قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} (سورة البقرة:197) فأما الرفث فهو الجماع ودواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك، وكذا التكلم به بحضرة النساء، وأما الفسوق: فهو إتيان المعاصي كبرت أم صغرت، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره: "وقوله {فَلاَ رَفَثَ} أي من أحرم بالحج أو العمرة فليجتنب الرفث وهو الجماع كما قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ} (سورة البقرة:187), وكذلك يحرم تعاطي دواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك, كذلك التكلم به بحضرة النساء قال ابن جرير: حدثني يونس أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس: أن نافعاً أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول: الرفث إتيان النساء، والتكلم بذلك للرجال والنساء إذا ذكروا ذلك بأفواههم, قال ابن وهب: وأخبرني أبو صخر عن محمد بن كعب مثله, وروى ابن جرير بسنده عن ابن عباس أنه كان يحدو وهو محرم وهو يقول:
وهن يمشين بنا هميس إن يصدق الطير ننل لميسا
وقال أبو العالية: فقلت: تكلم بالرفث وأنت محرم؟ قال: إنما الرفث ما قيل عند النساء, وقال عبد الله بن طاوس عن أبيه: سألت ابن عباس عن قول الله عز وجل: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ}؟ قال: الرفث التعريض بذكر الجماع, وهي العرابة في كلام العرب وهو أدنى الرفث, وقال عطاء بن أبي رباح: الرفث الجماع وما دونه من قول الفحش، وكذا قال عمرو بن دينار، وقال عطاء: كانوا يكرهون العرابة وهو التعريض وهو محرم، وقال طاوس: هو أن يقول للمرأة إذا حللت أصبتك وكذا، قال أبو العالية: وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الرفث غشيان النساء والقبلة والغمز، وأن يعرض لها بالفحش من الكلام ونحو ذلك, وقال ابن عباس أيضاً وابن عمر: الرفث غشيان النساء, وكذا قال سعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وإبراهيم وأبو العالية عن عطاء ومكحول وعطاء الخراساني وعطاء بن يسار وعطية وإبراهيم النخعي والربيع والزهري والسدي ومالك بن أنس ومقاتل بن حيان وعبد الكريم بن مالك والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم"أ.ه 1 .
وفي الآية أيضاً دليل على أن للحج وقتاً معلوماً، وأن وقته أشهر معلومات هي: شوال، وذو القعدة، والعشر الأوائل من ذي الحجة، وعلى هذا فلا يصح الإحرام بالحج إلا في هذه الأشهر المعلومات, وتخصص هذه الأشهر المعلومات لأداء شعائر الحج في مواعيدها المعروفة، وعلى هذا عمل المسلمين.
وقد حدد النبي صلى الله عليه وآله وسلم جزاء من تجنب الرفث، والفسوق، والعصيان فقال في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)) رواه البخاري برقم (1690) واللفظ له؛ ومسلم برقم (2404).
إلا أن الحج ليس أداء عبادة فقط؛ بل له شروط ومتطلبات قد تختلف بعض الشيء عن بقية العبادات، لأنه عبادة بدنية، ومالية، ووقتية محددة بوقت معين... الخ، وهذه العبادة (عبادة الحج) مبنية على الاستطاعة حتى تجب على مؤديها، ثم في وقت أدائها يجب على الحاج أداؤها حال الاستطاعة فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل: أي العمل أفضل؟ فقال: ((إيمان بالله ورسوله)) قيل: ثم ماذا؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله))، قيل: ثم ماذا؟ قال: ((حج مبرور)) رواه البخاري برقم (26), وفي هذا الحديث العظيم جملة من الفوائد نذكر منها:
1. أن الحج المبرور (وهو الذي عمل فيه الحاج الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات)؛ يكون جزاؤه الجنة.
2. وفيه أيضاً يحدد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصفة المطلوبة للحج وهي البر، والحج المبرور معناه ما ذُكِرَ في الآية: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}، فإذا لم يخالطه رفث، أو فسوق، أو معصية؛ فهو الحج الذي حدد النبي - صلى الله عليه وسلم - جزاؤه فقال في الحديث الذي رواه أَبِو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: ((الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ)) رواه البخاري برقم (1650).
ونجد أن الله تعالى يحبب إليهم فعل الجميل بعد النهي عن فعل القبيح فيقول: {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ}، ويكفي في حس المؤمن أن يتذكر أن الله يعلم ما يفعله من خير، ويطلع عليه، ليكون هذا حافزاً على فعل الخير، ليراه الله منه ويعلمه، وهذا وحده جزاء قبل الجزاء، ثم يدعوهم إلى التزود في رحلة الحج: زاد الجسد، وزاد الروح {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}, فالتقوى زاد القلوب والأرواح ؛ منه تقتات، وبه تتقوى وترف وتشرق، وعليه تستند في الوصول والنجاة، وأولوا الألباب هم أول من يدرك التوجيه إلى التقوى، وخير من ينتفع بهذا الزاد.
وفي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَالْحَجّ الْمَبْرُور لَيْسَ لَهُ جَزَاء إِلَّا الْجَنَّة)) الْأَصَحّ الْأَشْهَر: أَنَّ الْمَبْرُور هُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطهُ إِثْم، مَأْخُوذ مِنْ الْبِرّ وَهُوَ الطَّاعَة، وَقِيلَ: هُوَ الْمَقْبُول، وَمِنْ عَلَامَة الْقَبُول أَنْ يَرْجِع خَيْراً مِمَّا كَانَ، وَلَا يُعَاوِد الْمَعَاصِي، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا رِيَاء فِيهِ، وَقِيلَ: الَّذِي لَا يُعْقِبهُ مَعْصِيَة، وَهُمَا دَاخِلَانِ فِيمَا قَبْلهمَا، وَمَعْنَى ((لَيْسَ لَهُ جَزَاء إِلَّا الْجَنَّة)): أَنَّهُ لَا يَقْتَصِر لِصَاحِبِهِ مِنْ الْجَزَاء عَلَى تَكْفِير بَعْض ذُنُوبه، بَلْ لَا بُدّ أَنْ يَدْخُل الْجَنَّة 2 ، والمراد بالحج الذي يكفِّر الذنوب هو الحج الذي وفيت أحكامه، فوقع لما طُلِبَ من المكلف على الوجه الأكمل.
والحج المبرور قد يكون أفضل من الجهاد في سبيل الله لما في الحديث عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: ((لَا، لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ)) رواه البخاري برقم (1423)، فهو مكفر للذنوب والمعاصي لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص في قصة إسلام أبيه لما اشترط أن يغفر له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله)) رواه مسلم برقم (121).
فالحج من صالح الأعمال التي بها يتم تكفير السيئات (عدا الكبائر التي لا بد لها من توبة صادقة بشروط التوبة المعروفة) إذا أداه العبد على وجهه الشرعي. ولذا حرَّم الله عز وجل على الحاج الرفث والجدال في الحج أثناء تأدية المناسك؛ كونها ستحصل نتيجة الزحام غير العادي، والتقاء جنسيات مختلفة اللغة واللهجة والمظهر، والله سبحانه وتعالى يريد من الحجاج أن يكونوا في موسم الحج في جو أقرب شبهاً بالملائكة؛ لأن الله يباهي بهم الملائكة؛ فوجب عليهم أن يبتعدوا عن كل شهوة ومعصية وجدال، وأن يكون كل وقتهم ذكراً لله تعالى، وأن يتجردوا لله تبارك وتعالى في هذه الفترة، ويرتفعوا على دواعي الأرض، ويتعلقوا بالله تبارك وتعالى دون سواه، ويتأدبوا في بيته الحرام، فإذا ما انتهى الحاج من حجه بعد ذلك غُفِرَت جميع ذنوبه، ليتحقق بذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)) رواه البخاري برقم (1690) واللفظ له؛ ومسلم برقم (2404).
أخي الكريم: يا من أنعم الله عليك بالنعم فوفقك لزيارة بيت الله العتيق؛ اغتنم تلك الفرصة العظيمة في التزود لمرضاة الرحمن, والمسارعة في اغتنام الأوقات بجعلها في الطاعات, نسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل من الحجاج والمعتمرين, وأن يوفقنا لزيارة هذا البيت العظيم؛ إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين .