صرخة فوق المنبر

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

صرخة فوق المنبر


    فضلُ الإكثار من ذكرِ الله

    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 66
    تاريخ التسجيل : 28/07/2010

    فضلُ الإكثار من ذكرِ الله Empty فضلُ الإكثار من ذكرِ الله

    مُساهمة  Admin الأربعاء أغسطس 04, 2010 11:48 am

    فضلُ الإكثار من ذكرِ الله
    لقد أمَرَ الله في كتابه عبادَه المؤمنين بالإكثار من ذكره قيامًا وقُعودًا وعلى الجنوب، بالليل والنّهار، وفي البرِّ والبحر، وفي السّفر والحضر، وفي الغنى والفقر، وفي الصّحة والسقم، وفي السّرِّ والعَلَن، وفي كلِّ حال، ورتّب لهم على ذلك جزيلَ الأجرَ، وعظيمَ الثّوابَ، وجميلَ المآبَ.
    قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكْرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالمُؤْمِنِينَ رَحِيماً تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً}.
    ففي هذه الآية الحثُّ على الإكثار من ذكر الله تعالى، وبيانُ ما يترتَّبُ على ذلك من أجرٍ عظيمٍ وخيرٍ عميمٍ، وقوله: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ} فيه أعظمُ التّرغيب في الإكثار من ذكر الله، وأحسنُ حظٍ على ذلك، أي: أنّه سبحانه يَذْكُرُكُم فاذكروه أنتم، وهو نظيرُ قولِه تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعلِّمُكُمْ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ، وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} فالجزاء من جنس العمل، فمن ذكر اللهَ في نفسه ذكره الله في نفسه، ومن ذكر الله في ملأٍ ذكره الله في ملأٍ خير منهم، ومن نسي الله نسيه الله.
    فالمكثرون من ذكر الله لهم الحظُّ الأوفر، والنَّصيب الأكمل من ذكر الله لهم، وصلاتِهِ عليهم وملائكتِهِ. روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في معنى الآية أنّه قال: فإذا فعلتم ذلك ـ أي أكثرتم من ذكر الله ـ صلّى اللهُ عليكم هو وملائكتُه.
    وصلاةُ الله على عباده الذّاكرين له، هي ثناؤه عليهم في الملأ الأعلى عند الملائكة الكرام البررة، وصلاةُ الملائكة عليهم هي بمعنى الدعاء لهم والاستغفار، كما قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كَلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً، فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ، رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ}.
    وقد حكى البخاري في صحيحه عن أبي العالية رحمه الله، أنّه قال في معنى قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} "صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة: الدعاء".
    ثمّ إنّ الله تبارك وتعالى بسبب رحمته بالذّاكرين الله كثيرًا، وثنائِهِ عليهم، ودعاءِ ملائكته لهم، يخرجهم من الظُّلمات إلى النُّور، ولهذا قال: {هُوَ الّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} من ظلمات الجهل والضّلال إلى نور الهدى واليقين، ثمّ قال تعالى: {وَكَانَ بِالمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} أي: في الدنيا والآخرة، أمّا في الدنيا فإنَّه هداهم إلى الحقِّ الّذي جهله غيرُهم، وبصّرهم الطريق الّذي ضلّ عنه وحاد عنه من سواهم من الدعاة إلى الكفر أو البدعة أو الباطل، وأمّا رحمته بهم في الآخرة فآمنهم من الفزع الأكبر، وأمر ملائكته يتلقّونهم بالبشارة بالفوز بالجنّة والنّجاة من النَّار، وما ذاك إلاّ لمحبّته لهم ورأفته بهم، جعلنا الله وإيّاكم منهم.
    ويقول الله تعالى في آية أخرى مبيِّنًا فضل الذَّاكرين الله كثيرًا والذَّاكرات، منوِّهًا بشأنهم، معليًا لذكرهم، مبيِّنًا لعظيم أجرهم وثوابهم، {إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَالقَانِتِينَ وَالقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ واَلصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالخَاشِعِينَ وَالخَاشِعَاتِ وَالمُتَصَدِّقِينَ وَالمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّآئِمِينَ وَالصَّآئِمَاتِ وَالحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} .
    أي: هيّأ لذنوبهم الصّفح والغفران، ولأعمالهم الصّالحة الأجرَ العظيم والدّرجات العالية في الجنان، ممّا لا عينٌ رأت، ولا أُذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب إنسان.
    إنّ الذَّاكرين الله كثيرًا والذَّاكرات همُ المفرِدون السّابقون إلى الخيرات، المحظوظون بأرفع الدرجات وأعلى المقامات، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكّة فمرّ على جبل يقال له جُمْدان فقال: سيروا هذا جُمدان، سبق المفرّدون. قالوا: وما المفرِّدون؟ قال: الذَّاكرون الله كثيرًا والذّاكرات ".
    وقد فسّر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المفردين بأنّهم الذّاكرون الله كثيرًا والذّاكرات، وأصلُ المفردين كما يقول ابن قتيبة وغيره: الّذين هلك أقرانهم وانفردوا عنهم فبقوا يذكرون الله تعالى.
    إنّ من يتأمّلُ هذه النصوص وغيرها من النصوص الكثيرة الواردة في بيان عظيم أجر الذّاكرين الله كثيرًا والذّاكرات، وجزيل ثوابهم، وما أعدّ الله لهم من النّعيم المقيم، والثّواب الكبير يوم القيامة لتتحرّك نفسه شوقًا وطمعًا، ويهتزُّ قلبُه حبًّا ورغبًا في أن يكون من هؤلاء، أهلِ هذا المقام الرّفيع والمنزلة العالية.
    ولكن بما ينالُ العبدُ ذلك؟ وهذا سؤالٌ عظيم يجدر بكلِّ مسلم أن يقف عنده ويعرف جوابه، وقد جاء عن السّلف في معنى الذَّاكرين الله كثيرًا والذَّاكرات نقولٌ عديدةٌ منها:
    ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّه قال: المراد: يذكرون الله في أدبار الصّلوات وغدوًّا وعشيًّا، وفي المضاجع، وكلّما استيقظ من نومه، وكلّما غدا أو راح من منزله ذكر الله تعالى.
    وقال مجاهد: "لا يكون من الذَّاكرين الله كثيرًا والذَّاكرات حتّى يذكر الله قائما وقاعدًا ومضطجعًا".
    وقال عطاء: "من صلّى الصّلوات الخمس بحقوقها فهو داخلٌ في قول الله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} " .
    ومن صفة هؤلاء: الصّلاةُ من الليل، فقد روى أبو داود وابن ماجه، والحاكم، وغيرهم، بإسناد صحيح، صحّحه الحاكم والذّهبي والنّووي والعراقي وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أيقظ الرّجل أهله من الليل فصلّيا أو صلّى ركعتين جميعاً كُتِبا من الذّاكرين الله كثيرًا والذّاكرات ".
    وقد سُئل أبو عمرو بن الصّلاح فيما نقله النووي رحمه الله عنه في كتاب الأذكار عن القَدْر الذي يصير به العبد من الذَّاكرين الله كثيرًا والذَّاكرات فقال: "إذا واظب على الأذكار المأثورة المُثبتة صباحًا ومساءً في الأوقات والأحوال المختلفة ليلاً ونهارًا، وهي مبيّنة في كتاب عمل اليوم والليلة، كان من الذَّاكرين الله كثيرًا والذَّاكرات".
    ويقول الشيخ العلاّمة عبد الرّحمن بن سعدي رحمه الله: "وأقلُّ ذلك أن يلازم الإنسان أوراد الصّباح والمساء وأدبار الصّلوات الخمس وعند العوارض والأسباب، وينبغي مداومة ذلك في جميع الأوقات على جميع الأحوال، فإنَّ ذلك عبادة يسبق بها العامل وهو مستريح، وداعٍ إلى محبّة الله ومعرفته، وعونٍ على الخير وكفِّ اللّسان عن الكلام القبيح". اهـ كلامه رحمه الله.
    وأسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى أن يجعلني وإيّاكم من الذَّاكرين الله كثيرًا والذَّاكرات، ومن الذين أعدّ الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا، إنّه على ذلك قدير وبالإجا
    بة جدير.

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 2:25 pm